"نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التى تليه".. هذه الكلمات، قالها شيخ الشهداء والمناضلين العرب عمر المختار، قبل إعدامه بلحظات منذ حوالى 93 عاما.
دعونا نوجهها الآن -نحن العرب- إلى الكيان الإسرائيلى المُحتل المغتصب للأرض الفلسطينية الطاهرة، بعد أن تلقى صفعات عدة على وجهه خلال الأيام القليلة الماضية، لعل أبرزها من لاهاى، حيث طالبت محكمة العدل الدولية –بأغلبية كبيرة– إسرائيل بالوقف الفورى لعمليتها العسكرية برفح الفلسطينية، خلال فعاليات جلسة إصدار حكمها أمس بشأن تدابير الطوارئ فى قضية الإبادة الجماعية التى يرتكبها الاحتلال فى قطاع غزة.. وبات على تل أبيب ضرورة الامتثال للقضاء الدولى، فمماطلتها فى التنفيذ تعنى المزيد من الإخلال بتعهداتها حيال اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
قرار (العدل الدولية) يوسع دائرة الإجماع الدولى الكاسح برفض استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، ويزيد الضغط العالمى من أجل التوصل إلى هدنة، بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب الظالمة على الفلسطينيين.. ويعكس هذا القرار التاريخى، قناعة لدى المحكمة وقضاتها بأن إسرائيل لم تتخذ من الإجراءات ما يستجيب للطلبات والشروط التى وضعتها المحكمة فى شهر مارس الماضى بما يُعزز تهمة الإبادة الجماعية، كما يعكس المخاطر الشديدة التى تستشعرها هيئة المحكمة حيال استمرار هجوم جيش الاحتلال على رفح، وما يتسبب فيه هذا الهجوم من نزوح قسرى وانتهاكات واسعة النطاق.
الصفعة الثانية على وجه الاحتلال الإسرائيلى، تمثلت فى الاتصال الهاتفى المهم الذى تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس من نظيره الأمريكى جو بايدن، الذى أعرب عن بالغ تقديره للجهود والوساطة المصرية المكثفة والدؤوبة والمستمرة للتوصل إلى وقف إطلاق للنار واتفاق للهدنة فى قطاع غزة. وجرى الاتفاق بين الرئيسين على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لإنجاح مسار التفاوض وتحقيق انفراجه تنهى المأساة الإنسانية الممتدة التى يعيشها الفلسطينيون، كما تم الاتفاق على دفع كميات من المساعدات الإنسانية والوقود لتسليمها إلى الأمم المتحدة فى معبر كرم أبو سالم، بصورة مؤقتة، لحين التوصل إلى آلية قانونية لإعادة تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطينى، وسيرسل (بايدن) فريقاً رفيع المستوى للقاهرة خلال الأيام المقبلة لإعادة فتح المعبر.. واتفق الرئيسان المصرى والأمريكى أيضاً، على ضرورة تضافر المساعى المختلفة لإنفاذ حل الدولتين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ورفضهما كافة محاولات تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، ودعمهما لكل السبل الهادفة لمنع تفاقم وتوسع الصراع.
وكانت الصفعة الثالثة، هى اعتراف كل من إسبانيا والنرويج وآيرلندا، بدولة فلسطين المستقلة، منذ أيام قليلة مضت، وتنفيذ هذا الاعتراف رسمياً من يوم الثلاثاء المقبل الموافق 28 مايو الجارى، ليصل عدد الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية المستقلة حتى الآن، إلى 146 دولة حول العالم.
تلك الخطوة الشجاعة من الدول الأوروبية الثلاث، جاءت بعد حوالى 12 يوماً من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوصية مجلس الأمن الدولى الموافقة على طلب فلسطين بحصولها على العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية، بتأييد 143 دولة عضو بالأمم المتحدة، وهذه هى الصفعة الرابعة.
أما الصفعة الخامسة على وجه الاحتلال ورئيس وزرائه (المتصلف) بنيامين نتنياهو، هى إعلان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، تقدمه بطلب لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، لتعمدهما استخدام المجاعة كسلاح فى الحرب، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلى جانب سلوك الجيش الإسرائيلى خلال الحرب والذى تسبب فى أضرار غير مسبوقة داخل القطاع، بالإضافة إلى الخسائر الفادحة بين صفوف المدنيين العُزّل.. وفى حال أصدرت (الجنائية الدولية) أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت، فإن الدول الأعضاء فى المحكمة البالغ عددها 124 دولة، سيكون عليها التزام بموجب المعاهدة، بإلقاء القبض على المسؤولين الإسرائيليين إذا وطأت أقدامهم أراضيها.
الأيام المقبلة ستشهد صفعات أخرى على وجه المُحتل الإسرائيلى، الذى يواجه الآن عزلة دولية غير مسبوقة فى تاريخه الإجرامى، حيث وجد نفسه بين مطرقة القضاء الدولى، وسندان التوترات بالرأى العام العالمى على مستوى الشعوب والحكومات على حد سواء، بسبب حربه المستعرة على غزة.. ناهيكم عن الزيارة المرتقبة لوليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى المنطقة، خلال الساعات المقبلة، وإجبار تل أبيب على القبول بمفاوضات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بما يفضى إلى تنفيذ مشروع حل الدولتين الذى طال انتظاره، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. فحل الدولتين هو السبيل الأوحد لإنهاء الصراع الإسرائيلى – الفلسطينى برمته، المستمر منذ أكثر من 76 عاما.
ويبقى القول، إن مصر بذلت من الجهود للتوصل إلى الهدنة الإنسانية فى غزة طوال الأشهر الماضية، ما يفوق طاقة البشر، وكانت تنسق دوماً فى كل تحركاتها ومقترحاتها مع كافة الأطراف المعنية، وهو المبدأ الذى حكم تحرك مصر منذ البداية، فلم يكن لمصر أى تحرك منفرد بل فى إطار أشمل وإطلاع الأطراف على أى تطورات أو مقترحات أولاً بأول.. الدولة المصرية تلعب دور الشريك الكامل، وليس فقط الوسيط النزية، وكانت كل مقترحاتها تتم فى حضور الأطراف وقبولهم لها، مصر أول من اقترحت رؤية متكاملة لحل أزمة غزة، وكانت هى أساس المفاوضات التى تمت فى باريس والدوحة وتل أبيب والقاهرة، الدولة المصرية كانت ولا تزال وسيطاً نزيهاً وملتزماً بتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، وتعمل بتنسيق وثيق مع جميع الشركاء الدوليين لضمان نجاح محادثات وقف إطلاق النار وتحقيق نتائج إيجابية للجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة