عادل السنهورى

حدوتة مصرية.. اسمها الزمالك

الأربعاء، 22 مايو 2024 01:37 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا تندهشوا، ولا تضربوا الكف بالكف، ولا يصيبكم الذهول من هذا النادى وجمهوره.. فيكفى فقط أن اسمه "الزمالك" يا سادة.. الحدوتة المصرية المستعصية على التفسير والتحليل وتحتاج الى سنوات من البحث والدراسة من علماء النفس والاجتماع للوقوف على أسباب هذه الظاهرة العجيبة والمدهشة لحالة نادرة فى عالم كرة القدم اسمها "الحالة الزملكاوية".

صدقوني.. ليست مسألة سعادة وفرحة هيستيرية للفوز ببطولة أفريقية بعد 5 سنوات أو فوز بدورى كل 10 سنوات أو مقارنة مع المنافس فى عدد البطولات أو أزمات ومشاكل وصدامات وإحباط وحزن دائم، يرافقه أحيانا فرحة استثنائية.

المسألة مختلفة تماما ولا علاقة لها بتشجيع فريق لا ينال منه جمهوره سوى الأمراض العضوية والنفسية و"التحفيل" والانتقاد والسخرية بقدر لا يتصور معه أكثر العشاق والمحبين للنادى أن يبقى له جمهور أو يبقى مقاوما ومنافسا على البطولة.

المسألة هنا تتعلق وترتبط ارتباطا شديدا بحالة الحب الصوفى الذى يتماهى فيه العاشق بالمعشوق، ويذوب فيها المحب فى ذات المحبوب.. هى حالة حب متجاوزة كل قواعد العشق بين هذا النادى الكيان وبين جمهوره ليس فى قاموسها أو مفرداتها كلمة النهاية، وليس لها حدا للوصول.

من أين لهذا النادى كل هذا الحب والعشق رغم العذاب والهم والمرار الذى يتذوقه منه جمهوره الذى يبكى كثيرا ويفرح قليلا كما قال المرحوم حسن الأسمر فى "كتاب حياتى يا عين". ومع ذلك يزداد هذا الجمهور وينمو بل وله شعبية كاسحة فى دول أفريقيا والوطن العربي

من هذا النادى الذى تنفد تذاكر مبارياته بعد طرحها بدقائق رغم أنه ليس "حاصد البطولات" الدائم وليس له الحظ والحظوة فى كل مكان ولا يجد من يقف وراءه ويدافع عنه سوى هذا الجمهور المتيم العاشق.

لا تفسير سوى أنه الزمالك الذى جاء إلى عالم كرة القدم وجاءت من بعده اللعبة، فهو النادى الذى تحدى الفرق الأجنبية فى الكأس السلطانية ليفوز بها كأول نادى مصرى يلعب ضد أندية أسلحة قوات الحلفاء، وهو ما فتح الباب أمام النادى الأهلى فى العام الثانى للمسابقة للمشاركة فيها رغم رفضه فى البداية ثم اقتنع بضرورة المشاركة كخطوة جديدة للمقاومة والتحدي.

هو النادى والكيان الذى تكونت وتأسست من أجله أول مجموعة أو رابطة مشجعين من الفنانين وترأسها الدونجوان رشدى أباظة الذى انشق عن العائلة الأباظية لتشجيع الزمالك

وكان رشدى هو صاحب فكرة تأسيس مجموعة الفنانين الزملكاوية، التى ضمت الفنانين أحمد مظهر، وشكرى سرحان، وحمدى غيث، وسيد إسماعيل، ونور الدمرداش، والسيد راضى، ويونس شلبى، ونور الشريف، وهانى شاكر، ومحمد الحلو، ونيللى، وبوسى، وليلى فوزى، وفؤاد المهندس، وشويكار، وعبدالمنعم مدبولى، ومحمد رضا، وسعيد أبوبكر، وعبدالله غيث، ومحسن سرحان، والمخرج حسام الدين مصطفى، ومعهم الإذاعيان فهمى عمر، وجلال معوض.

وكانت تعقد اجتماعاتهم وجلساتهم فى شقة جلال معوض وليلى فوزى فى عمارة «ليبون» . وكان يذهب ويجتمع معهم كثيرا الفريق أول سعد الدين متولى، والمهندس محمد حسن حلمى، والكابتن محمد لطيف، والمهندس نور الدالى ويكن، ونبيل نصير، واللواء حسين لبيب، وعلى محسن، وحمادة إمام.وكان «رشدي» يحضر أغلب مباريات فريق الزمالك، برفقة شكرى سرحان، ونور الدمرداش، وحمدى غيث، وسيد إسماعيل، وحسام الدين مصطفى.

إنه الزمالك الذى أحبه كل عشاق الفن والموسيقى فى مصر وأهل العلم والطب والأدب وكبار رجالات الدولة منذ نشأته وحتى الآن

إنه الزمالك الحدوتة الذى امتزجت فيه كرة القدم بالسياسة والتجارة والجيش والحب والثورة والفن والاغنياء والفقراء، كما يذكر صديقنا الأهلاوى الدكتور ياسر أيوب فى كتابة عن تاريخ كرة القدم فى مصر.

سيبقى الزمالك ظاهرة كروية استثنائية فى تاريخ كرة القدم فى مصر وربما فى العالم.. فهو مثل طائر العنقاء التى يعتقد الكثيرون أنها ماتت وشبعت موت ثم تفاجئ الجميع بالنهوض والاستيقاظ من تحت ركام الرماد ...فالزمالك هو رمز الحياة التى قد تضيق وتصعب أحيانا على عشاقه ومحبيه لكنهم دائما ما يتعلقون بفسحة الأمل...فمنطقيا وبحساب الورقة والقلم وبدراسة المعطيات والظروف كان من المفترض أن يندثر هذا النادى ويتوارى ويختفى، لكنه " العنقاء التى تولد من رحم ركام الأزمات والمشاكل والأحزان لتطير محلقة فى الفضاء. فرغم غياب البطولات فالزمالك صامد ومكافح وعنيد بجمهوره الأسطورى الأبى وخالف كافة نظريات المنطق التى أدت وفقا لمفرداتها الى انزواء أندية كانت لها سمعة وصيت وصولات وجولات فى عالم كرة القدم فى مصر مثل الترسانة والأوليمبى والمحلة ومثل نادى مثل ديربى كاونتى بطل إنجلترا فى السبعينات.. أندية أصبح القوى فيها يصارع من أجل مجرد البقاء وليس العودة الى سالف المجد.

الزمالك تعرض لما هو أصعب وأسوأ، ومرت سنوات طويلة غاب فيها عن منصات التتويج والفوز بالبطولات، وتعرض لحرب شرسة من أعدائه، ومن أطراف كثيرة أخرى، إعلام واتحاد كرة وحكام وقضايا وديون ووقف قيد.

وكان الهدف هو شيطنة هذا النادى وإبعاده وإقصائه عن المنظومة الكروية فى مصر وإخلاء الساحة للمنافس تماشيا مع نظرية القطب الأوحد فى العالم، لكن الكيانات الكبرى بعشاقها قد تبعد أحيانا وتمرض أحيانا ولكنها لا تموت أبدا وتعود أكثر قوة.

هكذا الزمالك.. الذى تعامل معه البعض على أنه رجل الكرة المريض فى مصر، وأنه انتهى وغاب نجمه وانطفأت أنواره وحان توريث تركته.. لكنهم فوجئوا به مثل التنين العملاق والعنقاء الذى ينتفض وينهض من كبواته ومرضه ليعلو فوق الجميع بفضل جمهور لا مثيل له فى العالم بالتزامه وانتمائه ووفائه لناديه ولكيانه الذى عاش معه الأفراح قليلا والأحزان كثيرا، ورغم ذلك تكاثرت الجماهير وزادت فى مصر والعالم العربي.. أطفال وصبيان وربما شباب فى سن الزهور لم يشاهدوا الزمالك وهو يفوز بالبطولات الكبرى ومع ذلك عشقوه وشجعوه بكل جنون.. وعشقوا الكرة الجميلة والفن والهندسة. يجعلون الكل يتساءل فى هشة واستغراب لا يخلو من اعجاب وانبهار: "ما كل هذا العشق. وما هو السر".

جماهير الزمالك العاشقة المسألة بالنسبة لها ليس دولاب أو حصالة أو بورصة وإنما هو حب خالص لكيان ووطن.. فالمحب الذى يذوب عشقا بمحبوبة ليست هى أجمل نساء العالم.. إنه الحب يا سادة لا يكابده من يعدم الاحساس به.

هذا هو سر الحكاية والحدوتة المصرية التى شاهدها العالم مساء يوم الأحد الماضى فى استاد ناصر -القاهرة حاليا- وخارجه وفى شوارع المحروسة فقد أذهل وأدهش هذا الجمهور الأبيض العريض كل من شاهد المباراة. فقد امتلأت المدرجات بأكثر من 70 ألف زملكاوى فى مشهد لا يتكرر كثيرا فى الملاعب المصرية. وقدم جمهور الزمالك الراقى المحترم -كعادته- صورة مبهرة لمصر وأفريقيا أمام العالم.. وزحف بالآلاف إلى الاستاد وجلس بالملايين أمام شاشات التليفزيون ليهتفوا بصوت مدو: "يحيا الزمالك.. عاش الزمالك" بجماهيره ومحبيه ومخلصيه وأنصاره الذين لن تتخلوا عنه أبدا ومهما كانت الأحزان والمؤامرات والصراعات للقضاء عليه.

كل الشكر والامتنان لهذا الجمهور العظيم الذى وقف خلف فريقه فى أحلك الظروف ولم ينفض عنه ويتجاهله ويتخلى عنه.. شكرا لهذا الجمهور الذى زأر بالهتاف " فى الكورفا سود جمهور أسود ورا الزمالك فى كل ستاد موجود" وتحمل الكثير من أجل عشقه لكيانه.. فجاءت الفرحة الكبرى.

شكرا للاعبى الزمالك الابطال الرجالة وللجهاز الفنى والطبى والادارى ..شكرا لإدارة الزمالك ولكل من ساهم فى رسم الابتسامة والفرحة على وجوه ملايين الزملكاوية فى مصر والعالم العربي.

يا سادة .. الزمالك وطن.. الزمالك حدوتة مصرية.. وأنا "مش برىء لو كان حب الزمالك هو اتهامي".. قولوا لنا لو تعرفوا ما هو سر الزمالك؟










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة