التربية سلاح تنمية وتقدم الأمم والشعوب دون مواربة؛ فبها تصنع الرجال الذين يحملون على عاتقهم إحداث تغييرات من شأنها تسهم فى إعمار الأرض بآليات مختلفة تؤدى حتمًا إلى ابتكار يؤكد أن الإنسان سيظل يحمل على عاتقة نهضة مستدامة لأمانة تحملها وخلق من أجلها، ومن ثم أضحت التربية لبنة بناء الحضارات التى يبقى أثرها ما بقيت الحياة.
ونود أن نوضح طبيعة العلاقة وبواطنها بين فلسفة التربية وما نشاهده من ابتكارات فى مجالات وقطاعات التنمية المختلفة، وهنا نشير إلى الابتكار الذى يُعد رهن تدريب تسبقه معارف صحيحة تتسم بالعمق والترابط، ناهيك عن تسلسل وتكامل بين سياقها ذو المعنى، وما تحدثه المعارف من تنمية حقيقية واقعية لمسارات التفكير ومن ثم تنشيط الأذهان؛ لتصبح جاهزا لأن تمارس أو تؤدى أعمالًا توصف حينئذ بالمبتكرة من حيث الشكل والجوهر.
وعندما يتساءل أحد عن دور مؤسساتنا التربوية فى بناء الإنسان؛ فإننا نؤكد على فضل البيئة المنضبطة فى إكساب الخبرات الوظيفية والتى تحمل فى طياتها معلومات مختارة بعناية نسميها بالمعارف، سواءً أكانت مجردة أم محسوسة وظيفتها أن تحدث تغيرًا ملموسًا فى السلوك بعد إتمام عملية الوعى الصحيح المسئول، بما يؤدى بالضرورة إلى إيجاد وجدان مؤهل لأن يشارك ويتعاون ويجد ويعمل ليصل للهدف المرسوم له، ومن ثم يكتسب ثقة غير محدودة فى نفسه وقدراته، وفى الآخرين من حوله، ويدرك بأن طبيعة العلم تراكمية ودوره أن يضيف كل ما هو جديد ونافع لبنية العلم.
وما ورد سلفًا يوضح أن الفلسفة التربوية تستهدف بناء عقول مبدعة فى مجالات عديدة ومتنوعة، لا تقتصر على حد التنظير؛ فالبرهان العقلى تصبغه ممارسة عملية، وهذا سر التقدم فى مجالات العلوم وفروعه المختلفة، وسبب رئيس فيما نحن فيه من تقدم تقنى وثورات معرفية قد فاق التوقعات، بل والخيال على المستويين الفردى والجماعى، بما يؤكد أن للمؤسسة التعليمية الفضل الأكبر فى النهضة بكل صورها التى نعيشها ولا يستطيع أن يزايد عليه أحد مهما بلغت أسبابه ومبرراته.
ودعونا نلقى بطرح قد يقابل بجدل واسع فحواه إعادة هندسة أهداف المؤسسات التعليمية فى بلدنا الغالي؛ لتصبح قادرة على إخراج جيل يستطيع أن يغير للأفضل فى مجالات الحياة رغم ما نحن فيه من تقدم ورقى فى كل مجالات الحياة، هذا الجيل يلزمه بيئة تعليمية تحمل مفردات ومقومات تساعد على مزيد من الإبداع العقلى والابتكار المهارى الذى نلمسه فى مخرجات نواجه بها تحديات الحياة وصعوباتها وأزماتها المتلاحقة والمتجددة والمتغيرة.
وكى لا يحدث صراع لدينا، نؤكد بأن الفلسفة التربوية التى نعنيها لا تهتم فقط بإعداد جيل من العلماء يحملون راية ولواء النهضة العلمية؛ لكنها تهتم بفرد يمتلك وعيًا صحيحًا ومهارة احترافية يستطيع من خلالهما أن يحدث تأثيرًا بالغًا فى مجاله أو موقعه؛ فما أحوجنا لعامل يمتلك مهارات عمله النوعى ويتقن ما يؤديه من مهام؛ فليست الأصالة والجدة والطلاقة والوصول لتفاصيل قاصرة على مجالات دون غيرها؛ فاحتياجات الأوطان متباينة ومتعددة.
إن رؤى الفلسفة الإجرائية تقوم على مسارات التغيير فى النظم، ويأتى النظام التعليمى فى المقدمة؛ فلا حجة للقيام بوظيفتها التى ننشدها، ونرى أنها الأهم فى مرحلة صعبة تواجه مجتمعات العالم بأسره؛ فقد بات التطبيع الاجتماعى يواجه مشكلات وتحديات جمة، ومن ثم توجب على مؤسساتنا التعليمية أن تؤدى دورها الذى يكمن فى تأهيل أجيال تلو أجيال تحرص على استكمال مسيرة النهضة مهما تفاقمت المشكلات وتضخمت التحديات وتأزمت الظروف سواءً أكانت من صنع الطبيعة أم من صنع إنسان غير رشيد.
نحن فى أشد الاحتياج لأن نستثمر طاقات أبنائنا ونوجهها توجيهًا صحيحًا عبر تدريب وممارسات وعمليات مقصودة فى بيئات المؤسسات التعليمية؛ للوصول لعقول وأذهان تحمل الوعى الصحيح بأنماطه المتعددة والريادة على كل المستويات؛ ولإيجاد نفوس تمتلك صحة عقلية وبدنية واجتماعية ونفسية تستطيع أن تواصل النجاح تلو النجاح وتعمل دون توقف بكامل جاهزيتها وطاقاتها مهما تعقد المكون الحياتى واختلفت ظروفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة