ما من شك أن عصر حكم البطالمة لمصر يعتبر من أهم العصور التاريخية التي مرت بها مصر. ولقد استمر هذا العصر قرابة 300 سنة، وقد وضع البطالمة الأوائل أسس وقواعد لحكم البلاد.. حكموا بمبدأ أن مصر هي وطنهم وبلدهم ولا بلد ولا وطن لهم سوى مصر.
وبالتالي اعتبروا أنفسهم مصريين، لبسوا ملابسهم وعبدوا آلهتهم، وبدأوا في تعلم اللغة المصرية القديمة التي ظلت لغة رسمية للمكاتبات الحكومية إلى جانب اليونانية القديمة، فكان المرسوم الملكي يكتب ويسجل أولاً باللغة المصرية القديمة بخطيها الهيروغليفي (النقش المقدس) والديموطيقى (الخط الشعبي)، ثم يسجل باللغة اليونانية القديمة.
وكان لهذا العمل الفضل الأول والأخير في اكتشاف اللغة المصرية القديمة وحل رموزها عندما استطاع العالم الفرنسي الشاب فرانسوا شامبليون حل رموز اللغة المصرية القديمة عن طريق دراسة حجر رشيد الذي كتب بالخطوط الثلاث السابقة، وعن طريق مقارنة النص الهيروغليفي بالنص اليوناني خاصة أسماء الملوك المكتوبة داخل الخراطيش استطاع شامبليون بالوصول إلى الأبجدية المصرية القديمة.
نعود إلى ملوك البطالمة الذين حرصوا على تصوير أنفسهم على الآثار المصرية القديمة وكتابة أسمائهم داخل الإطار الملكي المعروف باسم "الخرطوش". وقد عرف البطالمة منذ البداية الوتر المهم للمصريين وهو الوازع الديني القوى لديهم، فقاموا بتغذية هذا الوازع بإقامة الأعياد الدينية والاحتفالات المتتالية لمناسبات دينية مختلفة.. وكذلك تشييد المعابد وتجديد المقاصير التي أصابها الزمن، وقربوا بين آلهة اليونان وآلهة المصريين، وتقبل المصريون الآلهة اليونانية ضمن مجمعهم الديني
وعلى الرغم من دخول مصر في العصر البطلمي وتقليد البطالمة للفراعنة الملوك، إلا أن المصريين أنفسهم كانوا قد أدركوا أن جوهر حضارتهم القائمة على فكرة الملك ابن الإله، والذي سيعود إلى عالم الآلهة بعد وفاته من خلال مقبرته التي كانت هي المشروع القومي لمصر مع كل عهد ملك جديد.. هذه الفكرة انتهت وإلى الأبد، ولم تعد نظرتهم لملوك البطالمة هي نفس نظرتهم لملوك الفراعنة حتى أن الفن قد تأثر ولم يعد تصوير ملك بطلمي أو ملكة بطلمية بنفس روح وعظمة تصوير فرعون من الفراعنة.
وإلى جانب الفن الذي تأثر بوضع ملوك البطالمة مقارنة بملوك الفراعنة نجد أيضاً علوماً مثل علم التحنيط ينهار ويتبدد.. ولم يعد الاهتمام بتحنيط الأجساد مثلما كان في عصور الفراعنة.. أصبح الاهتمام منصباً على لف المومياء بأمتار عديدة من لفائف التحنيط الكتانية ووضع قناع على وجه المومياء إما مذهباً أو ملوناً على حسب المقدرة المادية لصاحب المومياء، وعن طريق هذا القناع اعتقدوا أن الروح سوف تتعرف على صاحب المومياء.
أما أكثر الأمور خطورة أن مصر في العصر البطلمي لم تعد تتقدم بنفس درجة تقدمها في العصور القديمة، في حين أن الحضارات الناشئة كالحضارة اليونانية ثم ورثيتها الرومانية كانت تتقدم وتخطو نحو الحضارة بخطي واسعة؛ فأصبحت مصر مصدراً لعلماء وفلاسفة هذه الحضارات، وتحولت إلى بلد كبرى صاحب تاريخ قدیم عظیم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة