فتح الابن الأصغر، درج مكتبه، فأخرج آخر كبسولة كانت موجودة فى تلك العلبة الذهبية الأنيقة، فنظر إليها وتمتم "اللهم أنى لك صمت وعلى رزقك أفطرت"، ثم ابتلع الكبسولة والتي أصبحت تُغنى عن الطعام والشراب والفيتامينات، فواحدة منها في اليوم تكفى للشبع وإعطاء الجسم ما يحتاجه.
ومن خلال نظارة الواقع الافتراضى الخاصة به، والتى بات الجميع يرتديها طوال الـ 24 ساعة، طالع الابن الأصغر تطورات الكارثة التى حلت على البشرية، حيث أعلنت شركة الكبسولات إفلاسها، وأن العالم عليه أن يستعد للعودة 100 سنة للوراء حيث الطعام الطبيعى، بعد أن انتهى المخزون من الكبسولات.
منذ سنوات فقدت جميع الأشياء معناها، وأصبح الجميع في عزلة ووحدة، واكتفى كل شخص على كوكب الأرض بنظارته، فمنها يخلق عالمه الافتراضى، مكان نومه ومدرسته وجامعته ونزهاته مع أصدقاءه والأعمال التفاعلية حتى الرائحة والملمس، فجميعها أشياء تطورت بفضل التكنولوجيا، ولم يعد هناك حاجة للواقع الحقيقى، فتوحد الانسان مع عالمه الجديد ونسى واقعه وعائلته.
ولأول مرة منذ شهور طويلة، خلع الابن الأصغر نظارته، وخرج من غرفته، وإذا بأفراد عائلته التى لم يراهم منذ فترة طويلة قد اجتمعوا على السفرة، سحب كرسى وجلس معهم، في البداية خيم عليهم جميعا صمت، إذ لم يعتد أحد منهم على التخلي عن النظارات أو التجمع لتناول الطعام، لكن الظروف الجديدة أجبرتهم على الالتقاء والتجمع حول طاولة واحدة، وتدريجيا بدأوا يتبادلون أطراف الحديث، ويحكى كل منهم عن حياته وعالمه الخاص الذى لا يعرف الآخرون عنه شيئا، ويوما بعد يوم، وجد الجميع في هذه التجمعات لذة جديدة ومتعة غير معتادة، فقد وجد كل منهم في الاخر مشاركة حقيقة ومشاعر غير مصطنعة وصدقا فى الحب، ومذاقا جديدا للطعام الحقيقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة