لعل أهم درس نستخلصه مع دخول العشر الأواخر من رمضان هو ما كان من النبى صلى الله عليه وسلم فى فتح مكة مع من آذوه وأخرجوه وحاولوا قتله، فلم يقابل إساءتهم بمثلها، بل عفا وأصلح، وقال قولته المشهورة: «ما ترون أنى فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال صلى الله عليه وسلم مقولته الأكثر شهرة والتى جرت مجرى المثل: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وقد دخل نبينا صلى الله عليه وسلم مكة مطأطئًا رأسه تواضعًا لله عز وجل، ولما سمع قائلا يقول: اليوم يوم الملحمة قال صلى الله عليه وسلم: «اليوم يوم المرحمة، اليوم يعظم الله الكعبة» وكان صلى الله عليه وسلم قد نهى قادة الجيش ألا يبدأوا أهل مكة بقتال، إن لم يبدأهم أهل مكة به، وأن يتجنبوا القتال ما وسعهم ذلك.
لقد تعامل صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة وغيرهم من منطلق قوله تعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وقوله سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»(فصلت: 34).
أما الدرس الثانى فهو أن ندرك أن عبادة العشر ليست صومًا وصلاةً وقراءة قرآن فحسب، إنما هى إلى جانب ذلك بر وصلة، وزكاة وصدقات، وإطعام للطعام، وبعد عن الجشع والاستغلال والاحتكار والأثرة والأنانية، فضلا عن اجتناب الحرام بكل صوره وألوانه.
أما الدرس الثالث فهو تحرى ليلة القدر فى هذه الأيام، وحيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»(رواه مسلم).
مع تنبيهنا على أمر مهم هو أن بعض الناس قد يظن خطأ أن أمر ليلة القدر محسوم ليلة السابع والعشرين فيحيونها ويغفلون عما سواها، متجاهلين قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «تَحرُّوا ليلةَ القَدْر فى العَشْر الأواخِر من رمضانَ» (رواه البخارى)، فقد تكون ليلة القدر فى أى ليلة منها ولا سيما الليالى الوترية فعلينا اغتنام العشر كاملة، فليلة القدر لمن وفقه الله فى قيام هذه الليالى، إذ لو أخلص الإنسان نيته فيها لله، واستشرفت نفسه حب الطاعة، لواصل العبادة حبًا فى الله، فمن ذاق عرف، ومن عرف اغترف، ولم يتوقف.
أما الدرس الرابع فإنه إذا كنا نؤمن بأن الأعمال بخواتيمها، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا» (سنن ابن ماجة)، فعلينا أن نختم هذا الشهر الكريم بمزيد من الطاعات رجاء القبول وحسن الخاتمة فنجتهد فى هذه العشر ما وسعنا الاجتهاد اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم، الذى كان إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة