عادل السنهورى

فى ذكرى النصر.. لقاء مع عبد العاطى صائد الدبابات

الأربعاء، 20 مارس 2024 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

عبد العاطى حايفضل عايش
مين قال اإن الأبطال بتموت
كلما حاتقوم معركة يصحا
ولا دبابة منه تفوت.

يوم 24 رمضان الموافق 9 ديسمبر 2001 يرحل البطل الأسطورى محمد عبد العاطى أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وأشهر صائد للدبابات فى العالم... كان رحيله صادما.. البطل الذى أبكى العدو وأذل جيشه وأذاقه مرارة الهزيمة ودمر له بمفرده 23 دبابة و3 عربات مصفحة.. هزمه المرض اللعين وداهمته آلامه فى الكبد ورحل فى ريعان الرجولة عاشقا للوطن مريضا به فى عمر 51 عاما.

مع كل ذكرى للنصر يهل اسمه مع باقى الأبطال الذين قاتلوا بشرف وبسالة وفداء وضحوا من أجل كرامة الوطن وعزته ورووا بدمائهم الذكية رمال سيناء وسطروا بصدورهم العارية البطولات والانتصارات التى حطمت أساطير الوهم للعدو وغيرت نظريات الحرب فى العالم.

محمد عبد العاطى عطية شرف -هذا اسمه بالكامل- مصرى فلاح من قرية سيبة القش بمركز منيا القمح محافظة الشرقية والمولود فى 15 ديسمبر 1950.. ابن فلاح بسيط.. كافح من أجل تعليم أبنائه على قدر استطاعته ومنهم بطلنا عبد العاطى الذى حصل على بكالوريوس الزراعة، وكان قدره أن ينتهى من دراسته ويلتحق على الفور بالقوات المسلحة، حيث تم تجنيده يوم 15 نوفمبر 1969 فى وقت كانت فيه البلاد تقوم بالتعبئة الشاملة استعدادًا لمعركة التحرير لتمحو بها عار الهزيمة التى لحقت بها عام 1967.. بعد قرار تجنيد نصف مليون خريج من المؤهلات العليا.

انضم عبد العاطى لسلاح الصاعقة، ثم انتقل إلى سلاح المدفعية، ليبدأ مرحلة جديدة من أسعد مراحل عمره بالتخصص فى الصواريخ المضادة للدبابات، وبالتحديد فى الصاروخ "فهد" الذى كان وقتها من أحدث الصواريخ المضادة للدبابات التى وصلت للجيش المصرى، وكان يصل مداه إلى 3 كيلو مترات، وكان له قوة تدميرية هائلة.

الصاروخ فهد كان يحتاج إلى نوعية خاصة من الجنود، من حيث المؤهلات ومدى الاستعداد والحساسية وقوة التحمل والأعصاب، فعملية توجيه الصاروخ تتطلب سرعة بديهة وحساسية تمنح الضارب قدرة على التحكم منذ لحظة إطلاقه وحتى وصوله إلى الهدف بعد زمن محدود للغاية، الاختبارات كانت تتم بصورة شاقة ومكثفة.

قبل الانتهاء من مرحلة التدريب النهائية انتقل الجندى عبد العاطى إلى الكيلو 26 بطريق السويس، لعمل أول تجربة رماية من هذا النوع من الصواريخ فى الميدان ضمن مجموعة من خمس كتائب، وكان ترتيبه الأول على جميع الرماة، واستطاع تدمير أول هدف حقيقى بهذا النوع من الصواريخ على الأرض.

تم اختياره لأول بيان عملى على هذا الصاروخ أمام قائد سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى، وتفوق والتحق بعدها بمدفعية الفرقة 16 مشاة بمنطقة بلبيس، التى كانت تدعم الفرقة بأكملها أثناء العمليات، وبعد عملية ناجحة لإطلاق الصاروخ تم تكليفه بالإشراف على أول طاقم صواريخ ضمن الأسلحة المضادة للدبابات فى مشروع الرماية، الذى حضره قيادات الجيش المصرى وعلى رأسها الفريق محمد فوزى وزير الحربية الذى أمر بترقية عبد العاطى  إلى رتبة رقيب مجند.. وكانت هذه هى المرة الأولى التى يحصل فيها مجند مؤهلات عليا على هذه الرتبة.

يوم6  أكتوبر العاشر من رمضان كان عبد العاطى هو أول فرد من مجموعته يتسلق الساتر الترابى لخط بارليف مجموعة كتيبة المقدم عبد الجابر أحمد على "المعروفة باسم عفاريت عبد الجابر.

فى يوم 8 أكتوبر وهو اليوم الذى كان يعتبره البطل عبد العاطى يومًا مجيدًا للواء 112 مشاة وللكتيبة 35 مقذوفات وله هو على المستوى الشخصى، بدأ هذا الصباح بانطلاقة قوية للأمام، فى محاولة لمباغتة القوات الإسرائيلية التى بدأت فى التحرك على بعد 80 كيلو مترًا باللواء 190 المصحوب بقوات ضاربة مدعومًا بغطاء من الطائرات.

رغم هذه الظروف الصعبة، فقد قام عبد العاطى بإطلاق أول صاروخ والتحكم فيه بدقة شديدة حتى لا يصطدم بالجبل، ونجح فى إصابة الدبابة الأولى، ثم أطلق زميله بيومى قائد الطاقم المجاور صاروخا فأصاب الدبابة المجاورة لها، وتابع هو وزميله بيومى الإصابة حتى وصل رصيده إلى 13 دبابة ورصيد بيومى إلى 7 دبابات فى نصف ساعة، ومع تلك الخسائر الضخمة قررت القوات الإسرائيلية الانسحاب واحتلت القوات المصرية قمة الجبل وأعلى التبة، وبعدها اختاره العميد عادل يسرى ضمن أفراد مركز قيادته فى الميدان، التى تكشف أكثر من 30 كيلو مترا أمامها.

فى يوم 9 أكتوبر، الذى يعتبر يومًا آخر من أيام البطولة فى حياة عبد العاطى فوجئ بقوة إسرائيلية مدرعة جاءت لمهاجمتهم على الطريق الأسفلتى الأوسط، مكونة من مجنزرة وعربة جيب وأربع دبابات.

وعندها بدأ بالمجنزرة، وأطلق الصاروخ الأول عليها فدمرها بمن فيها، فحاولت الدبابة التالية لها أن تبتعد عن طريقها لأنهم كان يسيرون فى شكل مستقيم، فصوب إليها عبد العاطى صاروخًا سريعًا فدمرها هى الأخرى، وفى تلك اللحظة تقدمت السيارة الجيب إلى الأمام، وبدأت الدبابات فى الانتشار، فقام عبد العاطى باصطيادها واحدة تلو الأخرى حتى بلغ رصيده فى هذا اليوم 17 دبابة.

جاء يوم 10 أكتوبر، حيث فوجئ مركز القيادة باستغاثة من القائد أحمد أبو علم قائد الكتيبة 34، فقد هاجمتها ثلاث دبابات إسرائيلية، وتمكنت من اختراقها، وكان عبد العاطى قد تعوّد على وضع مجموعة من الصواريخ الجاهزة للضرب بجواره، وقام بتوجيه ثلاثة صواريخ إليها فدمرها جميعًا، كما استطاع اصطياد إحدى الدبابات التى حاولت التسلل إليهم يوم 15 أكتوبر، وفى يوم 18 أكتوبر، دمر دبابتين وعربة مجنزرة ليصبح رصيده 23 دبابة و3 مجنزرات.

أيام مجيدة لم ينساها عبد العاطى فقد فوجئ بأن اللواء حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية مشاة فى حرب أكتوبر يرسل فى طلبه، فذهب له وعند دخوله رأى مشهدا ظل عالقا فى أذهانه ولم ينساه، حيث وجد القائد الإسرائيلى عساف ياجورى، الذى طلب أن يلتقى المجند الذى اصطاد دبابته، وعندما علم بأن عبد العاطى من فعل ذلك، قام بتحيته عسكريًا.

بعد الحرب والنصر سجلوا اسمه فى الموسوعات الحربية كأشهر صائد دبابات فى العالم، وأثناء قيام المشير أحمد إسماعيل على وزير الحربية بافتتاح معرض الغنائم بأرض المعارض بالجزيرة فى ديسمبر 1973 طلب من عبد العاطى بقص شريط فى حضور قادة الجيش ومسئولى الدولة وآلاف الزوار.

ويوم 18 فبراير 1974 وداخل مجلس الشعب منحه الرئيس السادات وسام نجمة سيناء ومنحه القائد الليبى معمر القذافى وسام الشجاعة الليبى.

فى أول سبتمبر 74 انتهت خدمته العسكرية وخرج الى الحياة المدنية وعمل مهندسا زراعيا  فى كفر الشيخ ومنيا القمح.

يتزوج عبد العاطى من ابنة عمه وينجب منها 4 أبناء 3 أولاد وبنت وسمّى ابنه الأول وسام اعتزازا بوسام نجمة سيناء الذى حصل عليه قبل مولده بعامين.

عانى عبد العاطى من المرض وداهمته آلام الكبد اللعين ودوالى المرىء وتوفى وهو فى ريعان الرجولة فى 9 ديسمبر2001 وعمره 51 عاما، وحضر جنازته أكثر من 10 آلاف مواطن من قريته ومن خارجها.

قبل وفاته بنحو 14 عاما -سبتمبر 87- التقيته فى قريته كان جالسا وحيدا على "كنبة خشبية" أمام دكان بقالة فقير فى منزل ريفى بسيط، تقدمت إليه وعرفته بنفسى وقدمت له هويتى الصحفية، كانت احتفالات أكتوبر على الأبواب وقررت إجراء حوارا صحفيا معه عن بطولته.. مجرى الحوار أخذنا إلى دروب كثيرة متشعبة، قال لى إنه ما زال فخورا بفترة تجنيده وأنه لم يقدم لمصر سوى الواجب والفرض الوطنى.. كنت أشعر أحيانا بمسحة حزن فى كلماته من بعض المصاعب التى واجهته فى الحياة المدنية والأحوال التى تغيرت عقب الانفتاح الاقتصادى والوجوه الجديدة التى "هبرت" ثمار النصر.

كانت ذاكرته حية ومتقدة أعاد لى مشاهد الحرب بتفاصيلها الدقيقة، قبل أن أنهى حوارى معه سألته "هل أنت مستعدا للقتال مرة أخرى رغم مرور السنين على حرب أكتوبر؟".. أجابنى وقد استعاد بشائر ذكريات أيام المجد والعزة "نعم واليوم وليس غدا.. دى بلدنا".

تحية إلى روح البطل محمد عبد العاطى وكل الأبطال الأحياء منهم والشهداء فى ذكرى النصر المجيد.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة