ذات مرة قال المسرحي الألماني برتولد بريخت أيام النازية: "لن يقول الناس كانت الأزمنة رديئة لكنهم سيقولون: لماذا صَمَتَ المبدعون؟"، وفي حالتنا لم يصمت المبدعون ولا الوطنيون الغيورون أمام تضليل المجتمع بأوهام مُهلِكة ومناهج فاشية ظلامية.
ما يتابعه الملايين في مصر والعالم كله من دراما فائقة في سياق إيقاظ الإدراك والوعي تنتجها الشركة المتحدة الموقرة، هو بمثابة أهم حدث بعد تقويض جماعة الإخوان على مستوى التنظيم؛ فالآن تجري متابعة تقويضها على مستوى الفكر، لحرمانها للأبد من أن تتمكن مجددًا من تلطيخ عقول الشباب بخدعة كبرى تروج لها كمدافعة عن الإسلام والأوطان والمقدسات، وليست سوى فرقة باطنية مخربة هدفها الهدم والهيمنة.
ولكي ندرك إلى أي مدى وصلت التنظيمات التكفيرية –خاصة الإخوان والقاعدة- في اختراق مجالات التأثير العصرية لتوظيفها كأداة لإيصال أفكارها المُسَممَة لأكبر عدد ممكن من المواطنين، ينبغي تأمل ما رصده المفكر جون بتريوت بشأن عروض قادة وأعضاء تنظيم القاعدة على مدار سنوات طويلة على مسارح أمريكا وأوربا.
على المستوى العملياتي والحركي خرج أيمن الظواهري بعد فشل ويأس في أن تكون أرض الأهرامات ساحة لتطبيق أفكاره، وفي الخارج توسع ووجد من يدعمه بالمال والسلاح ويمكنه من مد إرهابه لغالبية عواصم العالم، وعلى المستوى الفني فكل ما قدروا عليه في مصر أنهم سرقوا ألحان بعض الأغنيات وصاغوا منها أناشيد حماسية، بينما مكنتهم القوى التي تمولهم وهم مقيمون بأمريكا ودول الغرب في أن يقدموا عروضًا مسرحية فيما يقرب من مئة وعشرين مسرحًا يحمل إسم "الجهاد" بأمريكا وحدها من بينها ثلاثة مسارح شهيرة بنيويورك، بالإضافة إلى أضعاف هذا العدد في أوربا ومنها ما يحتل مكانة مميزة في دورتموند وباريس ولندن، وفق ما وثقه الكاتب جون بتريوت.
لا يزهر الإبداع في كنف الأيديولوجيا وهؤلاء فقيرو الخيال والوجدان، لكنهم وجدوا الساحة خالية فقدموا أنفسهم تحت ستار الدفاع عن الإسلام وتصحيح مغالطات المستشرقين، وبعد أن استيقظت الأجهزة الأمنية الغربية بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م والتي تعلم أن تلك المسارح ترتبط بفروع القاعدة وجماعة الإخوان المختبأة بقربها وتروج أفكارها، عادت تلك المسارح بعد فترة قصيرة من التضييق ونمت بل عقدت اتفاقات توأمة مع كبرى المسارح الأمريكية والأوربية وظهرت عروضها على مسارح برودواي والكوميدي الفرنسي، ليس لأنها تنشط تحت مسميات "التسامح وتعانق الأديان" –كما زعموا- إنما لأنها حولت هجومها على الغرب إلى الدول العربية والإسلامية بزعم أنها فاسدة وتنشر الفحشاء، داعية للتغيير بالقوة ولفتح إسلامي جديد لهذه الدول وتطهيرها قبل التفكير في الخارج، كما قدم أعضاء القاعدة والإخوان عروضًا أخرى يتملقون فيها الحكومات الغربية ويدعونها لمساندة شباب هذه الدول المناهض لحكوماته "الفاسدة" والتمهيد للفتح الإسلامي المنتظر ولتحقيق دولة الخلافة التي ستضمن أمنًا وسلامًا دائمًا لكل دول العالم!
على ضوء هذه المعطيات التي تفتح أعيننا على حقيقة ما يجري حولنا نقرأ اهتمام الرئيس السيسي بالفن وبالدور الذي يلعبه في إيقاظ الوعي ومجابهة الأيديولوجيات المُسَممَة التي لم تعد كما كان بالماضي عندما كان ينشرها بدائيون بإمكانيات متواضعة ووسائل تقليدية وجهود عشوائية، فنحن اليوم أمام تنظيمات لا تجند عناصرها فقط من منطقتنا بل من كل دول العالم ومن صفوف الشباب العربي المقيم بالغرب، وقد جرى تمكينها من اعتلاء خشبات أشهر المسارح الغربية، فضلًا عن الدراما الوافدة المنتشرة بيننا والموظفة لخدمة مشاريع إمبراطوريات توسعية هي في الأساس تعتمد على القاعدة والإخوان لتحقيق أهدافها.
الآن الشركة المتحدة ومبدعونا وكتابنا ومثقفونا يناضلون ويؤدون مهمة عظيمة ناظرين للشاشات والمسارح كساحات حرب؛ وهي فضح الأكاذيب التي روجها التكفيريون مرتدين ثوب الفن جلبًا للاستعطاف ولصرف الأنظار عن فداحة ما يرتكبونه من جرائم، ولن نرضى إلا بالخروج من حرب الفكر إلا منتصرين كما انتصرنا بالميدان، حتى لا يأتي اليوم ونسأل: لماذا صَمَتَ المبدعون؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة