نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية الـ 263 (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ).
الأولى : قوله تعالى : (قول معروف) ابتداء والخبر محذوف، أي قول معروف أولى وأمثل، ذكره النحاس والمهدوي، قال النحاس: ويجوز أن يكون (قول معروف) خبر ابتداء محذوف، أي الذي أمرتم به قول معروف، والقول المعروف هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة وفي باطنها لا شيء؛ لأن ذكر القول المعروف فيه أجر وهذه لا أجر فيها، قال صلى الله عليه وسلم: الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق أخرجه مسلم، فيتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب، ليكون مشكورا إن أعطى ومعذورا إن منع، وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة [ص: 282] بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره.
وروي من حديث عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار ولين أو ببذل يسير أو رد جميل فقد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظرون صنيعكم فيما خولكم الله تعالى.
الثانية: قوله تعالى: (ومغفرة) المغفرة هنا: الستر للخلة وسوء حالة المحتاج، ومن هذا قول الأعرابي - وقد سأل قوما بكلام فصيح - فقال له قائل: ممن الرجل؟ فقال له: اللهم غفرا! سوء الاكتساب يمنع من الانتساب، وقيل: المعنى تجاوز عن السائل إذا ألح وأغلظ وجفى خير من التصدق عليه مع المن والأذى، قال معناه النقاش، وقال النحاس: هذا مشكل يبينه الإعراب، (مغفرة) رفع بالابتداء والخبر خير من صدقة، والمعنى والله أعلم وفعل يؤدي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى، وتقديره في العربية وفعل مغفرة، ويجوز أن (ص283): يكون مثل قولك: تفضل الله عليك أكبر من الصدقة التي تمن بها، أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنون بها.
الثالثة: قوله تعالى: (والله غني حليم) أخبر تعالى عن غناه المطلق أنه غني عن صدقة العباد ، وإنما أمر بها ليثيبهم، وعن حلمه بأنه لا يعاجل بالعقوبة من من وآذى بصدقته .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة