إن محاولات جني الثمار التي تتمخض عن الحوكمة الذكية يصعب نيلها بعيدًا عن دعم سياسي وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تنطلق من خطوات وإجراءات إصلاحية ملموسة، وتعمل على تجاوز التحديات والصعوبات التي قد تكون واقعية أو مفتعلة؛ حيث الرغبة الحقيقية لدى الجميع في بلوغ الهدف المعلن، والعمل المتواصل، والجهد الميداني المركز الذي يدحر كافة الإخفاقات المتوقعة.
وتقوم شفافية الحوكمة الذكية التي تتبناها المؤسسة على أمر مهم يتمثل في التعريف الجيد بها من حيث الماهية والأهمية والأهداف المنشودة منها والخطوات الإجرائية التي تحقق غاياتها والأدوار الوظيفية المنوطة بكل فرد بالمؤسسة، وصورة العلاقات الأفقية والرأسية عبر خريطة التدفقات المتشابكة، وهذا التفصيل له مرمى واضح؛ إذ يصقل ثقافة التعريف بالحوكمة الذكية، ويظهر مدى إمكانية تحقيق الانضباط المؤسسي بواسطتها.
ونجاح المؤسسات بغض النظر عن مجالاتها ووظيفتها لا يتحقق في ظل غياب إدارة للمخاطر تساعد على تجنب الخسائر قدر الإمكان عبر خطة واضحة، وتقلل من التأثيرات السلبية للمخاطر المتوقعة، وقد تعمل على تفاديها، ومن ثم تؤكد الحوكمة على هذا الأمر بكل وضوح؛ إذ يتم تكليف خبراء المؤسسة وصانعي ومتخذي قرارها بأن يحددوا بصورة مسبقة المخاطر المحتملة من خلال آليات التقويم المستمر للأداءات، بما يساعدهم على ترتيبها حسب أهميتها، بعد تحليلها نوعيًا وكميًا، ومن ثم التوصل إلى الاستراتيجيات اللازمة للتخفيف أو الحد منها.
وفي ضوء فلسفة الحوكمة الذكية يتوجب أن تمتلك القيادات المؤسسية الكفايات والمهارات اللازمة التي تضمن سريان العمل بكفاءة واقتدار، وتستطيع أن تساهم بفعالية في تحسين وتطوير الأداءات وفق منهج واضح يتسم بالشفافية والنزاهة، وهذا الأمر أيضًا ينبغي أن يشمل كافة المنتسبين للمؤسسة؛ كي تتحقق الفرضيات الرئيسة لتلك المؤسسة، ومن ثم تستطيع أن تصل لمستويات التنافسية والريادة في مجالاتها النوعية.
وفي ذات السياق نؤكد بالطبع على ضرورة الاهتمام بالتدريب المستمر؛ حيث إن التطور والحداثة تُعد سمة العصر المتسارع؛ لذا يجب مواكبة كل ما هو جديد في مجال التخصص كي نرتقي بالأداء المهني، أو النوعي، أو الأكاديمي للمؤسسة، وتكمن دلالة التدريب في تحسين فاعلية الفرد بغض النظر عن المكانة أو الوظيفة التي يشغلها؛ ففلسفة التدريب تقوم على شحذ الأفكار وصقل الخبرات التي تتسم بالجدة والأصالة، وفي ضوئها تحدث النقلة النوعية وتتحقق الأهداف المنشودة التي تتبناها المؤسسة في استراتيجيتها الطموحة.
وفي الحقيقة أن شفافية الحوكمة مبدأ رئيس يُعد الالتزام به مساهمًا في تحقيق الانضباط المؤسسي؛ فهناك مرحلة الاستكشاف التي من خلالها نتحرى مواطن الضعف بكل دقة، ونحدد العوامل والمسببات التي قد تؤدي للإخفاقات، أو ضعف الاستقرار، أو صعوبة الوصول لمرحلة التمام والاكتمال، وهناك آليات أخرى متعددة نستطيع أن نحكم من خلالها على مستوى الشفافية التي تنتهجها المؤسسة، والتي منها على سبيل المثال مدى تطابق ما لديها من معلومات وما هو كائن على أرض الواقع.
ويرتبط بما تقدم بشأن شفافية الحوكمة توافر إمكانية الشراكة في صورتها الفاعلة بين من تقدم له الخدمة، أو المصلحة، ومن يتخذ القرار، وهذا أمر يشكل أهمية بالغة؛ حيث تعمل المؤسسة بكل جهد وتفان للوصول لغاية كبرى، وهي نيل رضا العميل؛ فبدونه تشعر المؤسسة بنوع من الإخفاق والتراجع، ومن ثم تعمل على مراجعة خططها، وتحرص على تطويرها، بما يساعدها في النهوض بمقدراتها والقيام بوظيفتها المنوطة بها.
ولنعي جيدًا أننا لن نستطيع أن نحقق ماهية الانضباط المؤسسي ما لم يكن لدينا قيم خُلقية تترجمها سلوكيات معلومة في مقدمتها ممارسة الشفافية والنزاهة والصدق والأمانة والاتقان في إنجاز ما يوكل إلينا من أعمال، ومن ثم تعظم الحوكمة الذكية المنظور القيمي وتضع المعايير التي تحقق نجاح المؤسسة في ضوء النسق القيمي النبيل.
وضمانة استمرارية مرحلة البناء بالجمهورية الجيدة في ظل تبني الحوكمة الذكية في إطارها الشفاف بما يؤدي إلى الانضباط المؤسسي المأمول، يقوم على احترام اللوائح والتعليمات التي تصدرها القيادة المؤسسية لصالح العمل والمستفيدين، والتي تتسق مع القانون العام المنظم؛ حيث يسهم ذلك في تحديد صورة الأداء الصحيح وفي المقابل إيضاح الثغرات، أو المشكلات، أو السلبيات التي تطفو على السطح، والعمل على معالجتها بصورة فورية.
ولندرك الهدف السامي من التمسك بعامل الشفافية التي تقوم عليه الحوكمة ودور ذلك في تحقيق الانضباط المؤسسي بوطننا الحبيب، وهو تجويد العمل وإفادة العميل ونيل رضاه والدفع بمزيد من الإنتاج واستثمار الطاقات وصيانة المقدرات من براثن الإفساد والفساد، واستبعاد المفسدين وأصحاب الغايات غير السوية.. وللحديث بقية عن الدور الرقابي للحوكمة الذكية في خضم الجمهورية الجديدة.. ودي ومحبتي.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة