(لا عداوة دائمة، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة).. مقولة شهيرة لـ ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ينعكس صداها بقوة على الواقع السياسي في الساحتين الإقليمية والدولية الآن.. وتنسجم المقولة الأشهر سياسياً، مع العلاقات بين دول العالم في وقتنا الحالي.. فإن اتفقت العلاقات اقتربت المسافات، وإن اختلفت تباعدت المسافات.
على مر العصور كانت مصر - ولاتزال - بوصلة الأمان والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط، وبالفعل هي عامود الخيمة العربية.. وقد سجل التاريخ العربي القديم والحديث، العديد من المجلدات التي تُبرهن على أن القاهرة هي صمام أمان وسر استقرار المنطقة برمتها.
وفي ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكيمة لمصر، مر الوطن بفترات صعبة وعصيبة منذ عام 2014، وتربص بها أهل الشر كثيراً.. ولكن باءت كل محاولات النيل من مصر وقيادتها السياسية بالفشل الذريع، وتحطمت أحلام الشر الخبيثة على صخرة حكمة وحنكة القيادة السياسية المصرية وحب المصريين لقائدهم وتكاتفهم معه في كل الأمور، لتستمر مسيرة بناء الجمهورية الجديدة التي يحلم بها كل المصريين في تحقيق مستقبل أفضل.
منذ أيام قليلة، سطّرت مصر وتركيا - من القاهرة - صفحة جديدة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسيدة قرينته، إلى مصر الأربعاء الماضي، نقلة كبيرة في علاقات القاهرة وأنقرة بعد فترة من التوتر والاحتقان والفتور، بسبب الموقف التركي المعارض لثورة 30 يونيو المجيدة، وتفاقمت العلاقة لتصل إلى حد القطيعة الكاملة بسبب ملفات شائكة تقاطعت فيها مصالح البلدين على نحو حاد، وخاصة الملف الليبي وملف النفط والغاز في البحر المتوسط.
زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان لمصر بعد انقطاع لمدة 11 عاماً تقريباً، تُعد انتصاراً كبيراً لثورة 30 يونيو العظيمة التي قضت على أهل الشر جماعة الإخوان الإرهابية، وإثباتاً بما لا يدع مجالاً للشك أن مصر الكبيرة هي بوصلة الشرق الأوسط.
جاءت زيارة أردوغان تتويجاً لخطوات طويلة لعودة العلاقات المصرية - التركية.. بدأت في مايو من عام 2021، حينما تم إجراء مباحثات على المستوى الأمني والاستخباراتي لاستكشاف فرص تحسين العلاقات.. تلاها سلسلة من الخطوات التركية لإثبات حسن النوايا فيما يتعلق باستضافة عناصر ومنابر إعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية.. ثم ارتقت المباحثات لاحقاً إلى مستوى لقاءات وزيارات متبادلة على مستوى وزيري خارجية البلدين.. ثم جاءت الخطوة الأهم بمصافحة، وُصفت بالتاريخية، بين الرئيس السيسي ونظيره التركي أردوغان على هامش مشاركتهما في حفل انطلاق كأس العالم في قطر خلال شهر نوفمبر من عام 2022.. وفي شهر فبراير من عام 2023 الماضي، تواصل الرئيسان هاتفياً بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، وقدمت مصر لتركيا مساعدات إنسانية عاجلة خلال هذه الأزمة.. وفي شهر يوليو الماضي أعلن البلدان استئناف العلاقات على مستوى السفراء.. كما التقى الرئيس السيسي مع نظيره التركي خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر الماضي، والتقيا أيضاً على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في شهر نوفمبر الماضي.. وصولاً إلى زيارة الرئيس التركي وقرينته، التاريخية إلى مصر الأربعاء الماضي.
ترسخ زيارة أردوغان لمصر حقبة جديدة في العلاقات بين البلدين الكبيرين، خاصة وأن الرئيسين السيسي وأردوغان وقعا خلال الزيارة على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين، وسيترأس رئيسا البلدين الاجتماعات المستقبلية رفيعة المستوى لمجلس التعاون الاستراتيجي، والذي ينعقد في مصر وتركيا كل عامين بالتناوب، وسيتم تنسيق العمل وإعداد جدول الأعمال لكل اجتماع من جانب وزيري خارجية البلدين.
الإعلان المشترك الذي تم التوقيع عليه، يتضمن مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والثقافة، إلى جانب الخدمات المصرفية والمالية والاستثمارات والنقل والطيران والبحرية والسياحة والصحة والعمل والأمن والمجالات العسكرية وصناعة الدفاع، فضلاً عن مكافحة جميع أنواع الجريمة المنظمة والإرهاب، وكذلك التعليم والعلوم والتكنولوجيا والطاقة، والتعدين والزراعة والبيئة، والإسكان والتحول الحضري، إضافة إلى تغير المناخ والاتصالات والمعلومات والشؤون القنصلية؛ وكل هذا التعاون يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين، ويعزز التضامن والتعاون لتعزيز السلام والاستقرار والازدهار في الإقليم بشكل كبير.
وكان اصطحاب الرئيس السيسي لنظيره التركي أردوغان في زيارة لمسجد وضريح الإمام الشافعي بالقاهرة التاريخية، كان له دلالة كبيرة على تأكيد عودة العلاقات القوية مرة أخرى بين الرئيسين بعد سنوات من القطيعة ، فلم تقتصر زيارة أردوغان فقط على المباحثات والمؤتمر الصحفي المشترك الذي تم عقده في قصر الاتحادية.. بالفعل، تمثل زيارة أردوغان تطوراً مهماً في العلاقة الآخذة في التطور بين القاهرة وأنقرة، فهي بمثابة شهادة على التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مسيرة العلاقات بين البلدين، واستمراراً للعمق التاريخي للعلاقات المصرية – التركية.
وقد تزامنت زيارة أردوغان مع العديد من الأحداث، أبزرها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما ترتب عليه من أوضاع إنسانية كارثية في القطاع، بالإضافة إلى محاولات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، وكذلك اتساع دائرة الصراع إلى لبنان وسوريا واليمن، بالإضافة إلى الأوضاع في ليبيا.. وهي ملفات تم فيها اتفاق كبير في وجهات النظر بين الرئيسين السيسي وأردوغان، خلال مباحثاتهما.
وفي الختام، نؤكد على ما بدأنا به، أن "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة".. والعلاقات بين الدول وسلوكياتها تماثل إلى حد كبير العلاقات بين الأفراد، فالعلاقات بين الأفراد تقوم في الأغلب على مصالح متبادلة، ليست بالضرورة مادية، فقد تكون دعماً معنوياً أو حاجة عاطفية، أو تشجيعا ومساندة.. وكذلك الدول، خاصة تلك التي تربطها صلة الجوار، ما يحتم التعايش وتعظيم الجوانب الإيجابية فيما بينها، فمن الحكمة النظر للأمور بإيجابية، أي محاولة تحويل المواقف السلبية إلى إيجابية تعود على الجميع بالخير والأمن والسلام من خلال الدبلوماسية والحوار.
كتب العلاقات الدولية تزخر بالنظريات والنماذج التي تصف استراتيجيات تعامل الدول فيما بينها، وهناك ما يعرف بالاستراتيجية الليبرالية أو الناعمة في التعامل بين الدول، وذلك بالاعتماد على مبدأ التعاون والقوة الناعمة لتعزيز مصالح كل دولة، باستخدام القوة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية.. وهنا تكون الدبلوماسية أكثر فاعلية في تعزيز المصالح السياسية من التهديد بالقوة، وهو مبدأ رئيسي تنتهجه الدولة المصرية وقيادتها السياسية الحكيمة والمحنكة، في بناء الجمهورية الجديدة، وتعزيز علاقاتها الخارجية بكل دول العالم...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة