عصام محمد عبد القادر

الوطن.. الماهية والأهمية

الإثنين، 09 ديسمبر 2024 12:23 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في الوطن يشعر المواطن بالأمن والأمان والاستقرار ويمتلك الثقة بالنفس ويمنحها للآخرين؛ كي يتناغم السلوك الفردي مع الجمعي، في خضم إيمان جامع بالقيم والمبادئ التي يتبناها المجتمع، والنسق القيمي الذي يدشن في خضمه الدستور الحاكم، والنظام الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، ويتكامل مع العقيدة التي يعتنقها المواطن بحرية مطلقة.


وفي الوطن يشارك المواطن، ويتعاون، ويؤدي كل ما يوكل إليه من مهام، ويستثمر طاقته بكفاءة منقطعة النظير، ومن ثم يتسم عطاؤه بالاستدامة، كما أن المناخ الآمن يحفزه على الابتكار في تخصصه النوعي، وعند استيفاء المواطن احتياجاته الفسيولوجية والبدنية يتأتى دور تعزيز الوجدان؛ حيث الحب، والانتماء، والولاء للوطن، ورموزه.


وفي الوطن يتشرب المواطن معارفه الصحيحة التي توجه سلوكياته الحميدة، ويعمل لديه ذهن راق يحضه على العمل المستمر، وبذل الجهد بغية الإعمار، ويحثه على عقد الشراكات بتنوعاتها بغية التقدم والازدهار، وهذا ما يسهم في بناء وعي سليم بأنماطه المختلفة، يجعله مدركًا بما يحاك لوطنه على الساحتين الإقليمية والدولية، ومن ثم يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة بكل شجاعة وثبات.


وفي ظل رعاية الوطن يكتسب المواطن الخبرات المتنوعة، التي تعينه على أن يخدم مجتمعه بمحبة بالغة، ويستكمل مسار تنمية العديد من الجوانب لديه؛ لصبح مؤهلًا على قيادة وإدارة المشهد الذي يكون مسئولًا عنه سواءً بمؤسسته، أو في أي ميدان من ميادين العمل، أو حتى في نطاق أسرته؛ فيكون قادرًا على خلق أجيال واعية، تقدم أفضل ما لديها من أجل بقاء الوطن ونهضته.


وفي الوطن يستلهم المواطن هويته، ويعضدها بتمسكه بحبل الثوابت؛ فيحب لغته وينميها، ويحترم معتقده، ويصون مقدساته، ويجعل قيم مجتمعه منارة يهتدي بها، ويحافظ على تراثه، ويعتز بثقافته، ويتفاخر بحضارته، ويشارك بني وطنه في بناء المستقبل، الذي بات واضحًا في رؤية واستراتيجية دولته المعلنة، ومن ثم يحرص على مواكبة التغيرات العالمية كي يسايرها في ضوء ما يؤمن به المجتمع من قيم حاكمة.


وفي حضن الوطن الدافئ يشعر المواطن بذاته؛ حيث التفرد، والتميز، والطموح اللامتناهي، والرؤى الثاقبة، مع توافر البيئة التي تمنحه الاستقلالية، والحرية المسئولة، والقدرة على المفاضلة، والتمكن من صناعة واتخاذ القرار، وتحقيق أقصى استفادة في كل ما يتلقاه من خبرات نوعية ومجتمعية على السواء، مع سعيه المتواصل تجاه الاستزادة من جديد المعارف، والمهارات، وتعزيز السُلم القيمي، وتعضيد ماهية الفنون في الوجدان؛ ليحيا حياة مليئة بالرضا والسعادة، ومفعمة بالأمل.


وفي ضوء فلسفة الهُوِيَّة التي تغرسها المؤسسات بتنوعاتها لدى المواطن، بدأ من الأسرة، ومرورًا بالمؤسسة التربوية، وعبر المؤسسات العقدية، ومن خلال المؤسسات الاجتماعية، ومخالطة المجتمع، يتجرع المواطن ما يكون لديه المناعة ضد محاولات طمس الهوية، أو استبدالها، أو إضعافها بشتى الاستراتيجيات والطرائق عبر الفضاء الرقمي، أو الغزو الثقافي الممنهج، أو نشر الأفكار المستوردة التي تتسبب في تشويه الوعي.


إن الدولة من وجهة نظري لا تنفك ماهيتها عن المواطنة وفلسفتها، التي تؤسس على قيم نبيلة، يتربى من خلالها المواطن على طيبة النفس، وعفة اللسان والبنان، ورقة المشاعر ودفئها، وسمو الروح وجمالها، وحسن الخلق ورقيه، وحب الغير والإيثار على النفس، وقوة العزيمة والإرادة، وقبول التحدي، وغير ذلك مما يصعب حصره وتناوله، والتربية بهذا المعني وتكاملها مع ما تمت الإشارة إليه، تحقق ماهية الأمن القومي في صورته الكلية.
وثمة تأكيد على أن ماهية الوطن تقوم على قوة النسيج المجتمعي، وروابط العمق الحضاري، التي تشكل جذور الرسوخ الجامعة لأطياف الشعوب وطوائفها، بما يدحض فكرة الطائفية، ومحاولات بث الفتن، والسعي نحو هدم المؤسسات والدول، والرقص على أنقاضها، والدفع بالجماعات المتطرفة التي لا تؤمن بماهية الدولة، ولا تعبأ بدور مؤسساتها، ولا تدرك أهمية منشآتها الحيوية التي تقدم الخدمة العامة لشعبها.


إن فقدان الوطن يعني استعمار الفكر المنحرف في ربوعه، وتزايد البؤر التي تتحكم في مقدراته وتهدرها، وتنامي السعي حيال تعزيز الاستحواذ الفكري للعديد من الجماعات والطوائف بمختلف ايدولوجياتها، والفقدان لا ينفك عن العمل الممنهج تجاه تغيير، أو استبدال عادات، وتقاليد الشعوب بعادات، وتقاليد مستوردة، والتي تخالف بشكل جارف النسق القيمي لهذه الشعوب؛ فتزداد هوية الخلاف، والاختلاف، والصراعات التي لا تنتهي.


نقول بلسان مبين إن ماهية وأهمية الوطن تعني حفاظنا على هُوِيَّتنا، ومن ثم وجوبية حماية وصون مقدراته البشرية والمادية، والعمل على تعظيم هذه المقدرات، مع تعزيز مستدام لمنظومة القيم، التي تنمي وعي المواطن بصورة صحيحة، بما يكسبه الحصانة ضد كل محاولات النيل من الأوطان؛ كي يكون قادرًا على استكمال النهضة والإعمار، حاميًا ومحافظًا على مقدرات وطنه، يضحي في سبيل بقائه وحريته واستقلاله.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

 

------------

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة