ما تشهده سوريا اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو استرجاع لسيناريوهات الفوضى التي أثبتت على مدار العقد الماضي أنها لا تؤدي إلى الاستقرار، بل تعيد الدولة إلى الوراء عقودا بما تحمله الفوضى من مخططات ممنهجة لهدم الدولة، والتي كانت ولا تزال سلاحا يستخدم للإطاحة بدول بأكملها، وتحويلها إلى ساحة صراعات داخلية وإقليمية.
سوريا، التي كانت يوما منارة للحضارة والاستقرار في المنطقة، تحولت إلى ساحة للصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، ما أوقعها في دوامة من الفوضى التي يبدو أنها لن تنتهي قريبا وتعيش اليوم أزمة خانقة تنذر بمزيد من التدهور، حيث لم تتوقف التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 وحتى الآن والتي لا تزال ترسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد وشعبها ويعكس المشهد الحالي في سوريا العودة إلى حالة من الفوضى التي لن تقود إلى أي نوع من الاستقرار، بل ستزيد من تعقيد الوضع الداخلي والإقليمي.
إن ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد اضطرابات سياسية أو اقتصادية عابرة، بل هو عودة إلى الوراء على كافة المستويات وبدلا من تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الديمقراطية والاستقرار، أصبحت البلاد غارقة في أزمات متشابكة، أبرزها استمرار الصراع العسكري، التدخلات الأجنبية، وتفاقم الأزمات الإنسانية ، وعلى الصعيد السياسي، لا تزال الأطراف المتصارعة غير قادرة على التوصل إلى تسوية شاملة تنهي النزاع ،وغياب رؤية وطنية موحدة أدى إلى ترسيخ الانقسامات الداخلية بين القوى السياسية والعسكرية، مما جعل سوريا مسرحا لتدخلات القوى الإقليمية والدولية، وكل منها يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة.
التدخلات الأجنبية في سوريا هي أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الأزمة بدلا من دعم الحلول السياسية التي تضمن وحدة البلاد، أصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية وكل هذه التدخلات أدت إلى تفاقم الأوضاع وتعطيل أي جهود نحو تحقيق الاستقرار حيث تدعي القوى الكبرى أنها تعمل من أجل مصلحة الشعب السوري ولكنها تستخدم الوضع كذريعة لتعزيز نفوذها الإقليمي أما الفصائل المدعومة من الخارج، فهي تزيد من تعقيد المشهد وتعرقل أي فرصة للتوصل إلى حل سياسي شامل.
استمرار الفوضى في سوريا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدهور و غياب الاستقرار السياسي يعني استمرار المعاناة الإنسانية وتفاقم الأزمات الاجتماعية كما أن تفكك الدولة وغياب سلطة مركزية قوية سيؤدي إلى تصاعد التهديدات الأمنية في المنطقة بأكملها، بما في ذلك انتشار الجماعات الإرهابية التي تستغل الفراغ الأمني لتحقيق أهدافها بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الفوضى سيؤثر بشكل مباشر على الدول المجاورة لسوريا، سواء من خلال تدفق اللاجئين أو تصاعد التوترات الحدودية وهذا الوضع يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أكبر للعمل على إنهاء الأزمة بشكل عاجل.
من الواضح أن الفوضى ليست حلا لأزمة سوريا، بل هي جزء من المشكلة و استعادة الاستقرار في سوريا يتطلب حلا سياسيا شاملا يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف ويضمن وحدة وسيادة البلاد وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن الحلول العسكرية أو التدخلات الخارجية لن تحقق السلام في سوريا ويجب دعم مبادرات الحوار الوطني التي تجمع بين الأطراف السورية المختلفة وتضع خارطة طريق لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية تضمن الحقوق والحريات للجميع كما يجب على القوى الإقليمية التوقف عن دعم الفصائل المتصارعة، والعمل بدلاً من ذلك على تشجيع الحلول السلمية.
إن سوريا اليوم بحاجة إلى جهود جماعية لإنقاذها من دوامة الفوضى التي تعيدها إلى الوراء، فالشعب السوري يستحق العيش في دولة مستقرة وآمنة، قادرة على تحقيق التنمية والازدهار و مسؤولية إنهاء الفوضى لا تقع فقط على عاتق الأطراف الداخلية، بل هي مسؤولية مشتركة تشمل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية و تحقيق الاستقرار في سوريا ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة بأكملها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة