ارتبط الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، بعلاقة صداقة وطيدة مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، «كانت كفنانة هى الأقرب إليه، ولا أحد آخر قبلها، كانت صديقته الأثيرة، وفى رأيه أن فيها «شهامة أهل الريف»، ولم ينس أبدا وقفتها بجواره فى كل الظروف، فهى صديقة الملمات والأوقات الصعبة»، بوصف الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، فى كتابه «أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز».
يؤكد هيكل: «أم كلثوم من أهم الشخصيات النسائية التى عرفتها»، ويصفها فى حوار أجرته معه «فضائية المستقبل اللبنانية»، ونشرته جريدة «العربى» لسان حال الحزب الناصرى فى عددها 12 ديسمبر 1994: «أنت أمام سيدة عندها إرادة قادرة أن تثبت نفسها، لكن عندها إرادات أخرى، أصيلة، صديقة، لما اختلفت مع الرئيس السادات، وكان اللقاء معه مشكلة، ورغم ذلك جاءتنى، ولم أجد رجالا كثيرين مثلها، ورأيتهم أمام السياسيين والسلطة بنوع من الانكسار، أم كلثوم لم يكن لديها انكسار بوجه السلطة».
فى سياق هذه العلاقة، حدث لقاء بينهما من نوع فريد، حيث بدلت أم كلثوم دورها كفنانة بأن قامت بدور المحاور الصحفى لهيكل الذى يقدم الإجابات على أسئلتها، وكان وقتها رئيس إدارة وتحرير الأهرام، ومشرفا على أخبار اليوم، ونشرت مجلة آخر ساعة هذا الحوار فى عدد رقم «1728» يوم، 6 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1967.
ظهر الحوار مصحوبا بصورة للاثنين، تظهر فيها أم كلثوم وهى ممسكة بسماعة تسجيل وترفعها أمام وجه هيكل المبتسم لتسجيل ما يقوله، وقالت المجلة فى مقدمة الحوار: «فتحت أم كلثوم حوارا سياسيا مع الأستاذ محمد حسنين هيكل حول أحداث الساعة وتطورات الموقف، ووقفت أم كلثوم - لأول مرة - فى موقع الصحفى، ووجهت منه أسئلتها إلى هيكل عن مؤتمر القمة العربى القادم فى الرباط، وعن دور الأمم المتحدة فى أزمة الشرق الأوسط»، وتضيف المجلة: «جرى الحوار بدون إعداد سابق، وقالت أم كلثوم لآخر ساعة بعد انتهاء الحوار: إن هيكل كان واضحا وصريحا كعادته دائما».
فى سؤال أم كلثوم لهيكل عن الأمم المتحدة استشهدت بدورها فى ضياع فلسطين عام 1948 وقالت: «إذا كنا سنناضل معتمدين على الحق الأدبى والقانونى لن نصل إلى أى شىء، إذن نعمل إيه؟ أجابها هيكل: «أثرت بهذا السؤال قضايا الدنيا كلها، لكننى أعتقد أن هناك فارقا كثيرا بين العالم العربى سنة 1948 والعالم الآن»، وتساءل: هل العالم سيبقى تحت رحمة قوة أو قوتين تقرران له الحرب والسلام»، ثم شرح هيكل رأيه هذا بصورة أوسع، مشيرا إلى أن هذا الوضع كان موجودا فى فترات سابقة من التاريخ، كانت هناك دولة أو أمبراطورية مسيطرة بشكل ما، ولقد رأينا فى التاريخ السلام الرومانى يعنى فرض الأمر الواقع للإمبراطورية الرومانية ولصالحها، بعد كده شفنا دول وشفنا أمبراطوريات آخرها الإمبراطورية البريطانية.
علقت أم كلثوم قائلة: «أرجو أن تتحرك الشعوب الموجودة فى الأمم المتحدة، وأن تثبت وجودها أمام القوة التى تمثلها دولة أو دولتان» ثم انتقلت إلى موضوع آخر وهو مؤتمر القمة العربية فى الرباط بالمغرب، وسألت: «هل هو تأكيد لمؤتمر القمة فى الخرطوم، أو هو شىء آخر؟، فأجاب هيكل: «فى الواقع أن هذا المؤتمر الاثنين مع بعض من حيث أن قمة الخرطوم روح المواجهة العربية المشتركة، ومؤتمر الرباط كان مؤتمر سياسة، أما المؤتمر القادم فى الرباط فإنه مؤتمر سياسة وما بعد السياسة».
قدم هيكل إجاباته على أسئلة أم كلثوم باستفاضة، وبعد أن انتهت منها قال لها: «طيب خلصتى الأسئلة، وخلصتى دور الصحفية، فردت: والله أنا كنت عاوزة أسالك كثير قوى»، رد: طيب اسمحى أن أمارس دورى الطبيعى، وأعود إلى موقع الصحفى، وسؤالى: كيف استطعت إلغاء الفارق بين السياسة والفن، أنا أعتقد أنك قمت بهذا الدور، والواحد يحتار فى أعمالك، إيه فيهم السياسة، وإيه فيهم فن، إزاى قدرتى تعملى كده، إزاى قدرتى تعملى توافق بين العمل السياسى، والعمل الفنى؟»
أجابت أم كلثوم: «فى رأيى أن الفن والسياسة توأمان، يعنى مثلا لما مصر أرسلت آثار توت عنخ آمون إلى باريس كان عملا سياسيا وعملا فنيا أيضا، يعنى أن الفرنسيين رأوا حضارتنا وتبادلنا معهم الثقافة فى نفس الوقت وهذه هى السياسة»، وأضافت: «أنا ليس لى دور سياسى، لكن يمكن دور مواطنة مصرية بتحب بلدها وبتعبر من خلال فنها عن وطنيتها».
علق هيكل: «هذا صحيج، وهذه إجابة معقولة على السؤال، لأن السياسى هو أى إنسان تعدى حدود اهتماماته حدود مصلحته الخاصة، ويحس أن مشاكل الآخرين وقضايا الآخرين تهمه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة