ميلاد ألبير قصيرى.. الرجال كسالى دائما والنساء يعملن باستمرار فى رواياته

الأربعاء، 04 ديسمبر 2024 12:00 ص
ميلاد ألبير قصيرى.. الرجال كسالى دائما والنساء يعملن باستمرار فى رواياته البير قصيرى
أحمدإبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر، فى تلك الأيام، ذكرى ميلاد الكاتب المصرى ألبير قصيرى الذى ولد فى 3 ديسمبر من سنة 1913، ثم هاجر إلى فرنسا فى نهاية الأربعينيات، وظل يكتب عن مصر لكن باللغة الفرنسية حتى رحيله فى عام 2008.

وكان الكاتب والمترجم محمود قاسم قد اهتم بترجمة أعمال ألبير قصيرى إلى اللغة العربية، وكتب مقدمة مهمة أضافها لترجمة رواية "كسالى فى الوادى الخصيب" يمكن أن نطلع عليها؟


يقول فيها:

حالة ألبير قصيرى غريبة، فهو طوال أكثر من خمسين عاما يقيم بنفس الغرفة، فى نفس الفندق فى باريس لا يغادره، حتى أمه التى جاء بها إلى مصر لتعيش معه سنوات فى نفس الغرفة وهى امرأة مصرية ولا تتكلم الفرنسية، لم تغادر الفندق مثله.

إنها حالة من الكسل الملحوظ الذى يجب الوقوف عنده أو هو سلوك غير مبرر بالمرة، فالكاتب حين تسأله عن هذا التصرف لا يرد عليك بإجابة شافية وكأنه يتكاسل أن يجيب على هذا السؤال أو أى سؤال آخر، رغم ما يتمتع به قصيرى من حيوية مطلقة، رغم عمره الذي تجاوز الثمانين بعدة أعوام.

الكسل هنا حالة يمكن معرفة أسبابها عند قراءة روايات الكاتب القليلة، والتوغل في سلوك الكثير من أبطال هذه الروايات.

الكسل إذن هو السمة الرئيسية في روايات قصيري، والغريب أنه كسل رجولي، أي أنه يتعلق فقط بالذكورة، ففي رواياته العديدة تجد أن النساء يعملن، أيا كان هذا النوع من العمل، بينما الرجال كسالى إلى أقصى حد ممكن، ففي رواية شحاذون ومتكابرون" فإن النساء هي اللاتي يعملن في بيوت الليل، يجلبن المال، ويحركن العالم، وفي رواية "منزل الموت الأكيد فإن كل الرجال يبقون في المنزل الآيل للسقوط، لا يغادرونه، بينما تتجمع الزوجات ويخرجن من البيت، يصحبهن الأطفال، ويذهبن إلى صاحب البيت، من أجل مواجهة ساخنة، ويطالبنه بتصليح البيت، أما الرجال، فإنهم يقبعون في الدار، يفكرون فيما يمكن أن يحل عليهم، كل ما يفعلونه هو كتابة عريضة يرسلونها إلى السلطات المسؤلة، ويقرر أحدهم تشجيع جیرانه على عدم دفع الأجرة، وذلك لأن صاحب البيت بلا أجره ، وبلا بيت لا يكون صاحب بيت.

ولعل الرواية الأكثر اهتماما بهذه الظاهرة، هي كسالى في الوادي الخصيب، ويبدو من تناقض عنوانها موقف الرجب تجاه الحياة، وسوف ترى ان الرجال بالفعل هم الأشد كسلا، لدرجة أن إحدى الشخصيات يمكنها أن تنام لعدة أسابيع، أما النساء فهن مليئات بالنشاط والحيوية، ويمارسن أعمالاً تجليلهن الأموال، مثل الطفلة الخادمة هدى أو العاهرة إمتثال، أو الخاطبة البدينة الحاجة زهرة، فهن عناصر الحركة الوحيدة في هذا المجتمع.

والرجال الذين يعيشون في بيت ريفي صغير، يكادون أن يموتوا كسلا بداية من الأب "العجوز حافظ" ومروراً بأخيه مصطفى، ثم أبنائه الثلاثة: رفيق وجلال ثم سراج أصغرهم جميعا.

والكسل هنا حالة عدوى لدى الجميع، هو نوع من المتعة والفلسفية ولا يتمثل فقط في أن الجميع يغطون في النوم طيلة أوقاتهم، ولا يجتمعون إلا مرات قليلة كل أسبوع أثناء لحظات تناول الطعام، بل أنهم جميعا بلا وظائف، ويرتعب أحدهم بشدة من فكرة العمل، والخروج في ساعات مبكرة مع الآخرين ليعمل، وعلى طريقة تخويف الاطفال بتذكريهم بشيء ، ما يرعبهم كالعسكري ، وبائع الجاز، فإن ما يرعب رفيق، كما سنرى، هو أن عيشقته العاهرة، تطلب منه أن يترك منزل أبيه ويعمل مثل بقية البشر.

وكما سبقت الإشارة، فإذا كان هذا هو عالم الرجال الكسالى، فإنه في المقابل، يتسم عالم النساء بالنشاط والحيوية والعطاء، يبدو ذلك واضحا في دور "امتثال" كعاهرة - في الرواية التي بين أيدينا - في إقناع الطلبة الذين يترددون على بيتها وفي دور الحاجة زهرة في تنشيط الرجل كي تدفعه للزواج وإخراجه من حالة الوهن التي تعتز به، فتعطيه الإحساس بأنه قادر ويمكنه أن يستمر.

أما هدى فهي الشخصية النسائية الرئيسية، وهي لا تكاد تبلغ الثالثة عشر رغم عدم الإشارة إلى سنها في الرواية، ففي الفصل الثاني من الرواية تراها هي التي تطبخ، وتنظف البيت، وهي العنصر الحيوي الوحيد في الدار، ورغم تعرضها لمضايقات جنسية من رقيق، ورغم إهانات العجوز حافظ لها لأنها لم تؤد واجبها حين نادى عليه ، فإنها هي الترس الوحيد الذي يعمل ويتحرك في وسط تروس كسوله يعلوها الصدأ، ولعلها تفعل ذلك من أجل حبها السراج.

كما أنها صلة وصل بين رفيق وعشيقته إمتثال، يرسلها إليها أكثر من مرة.

وفي الفصل الثامن تقوم بزيارتها ذات مساء.

وتبدو المرأة هنا تمارس أعمالا وضيعة مثلما في أكثر أعمال ألبير قصيري، فهي إما عاهرة أو هي مخلوق متمثل دوماً، ولكنها مهما كانت لا تتمتع بكسل الرجال الذي يدفعهم إلى النوم لساعات طويلة ويعتبرون أن لحظات اليقظة، إما للطعام أو للذهاب إلى الحمام هي لحظات ضائعة، ويطرح هذا الأمر السؤال، هل هناك علاقة بين إقامة الكاتب في نفس الغرفة بنفس الفندق طوال نصف قرن وبين كسل شخصياته، وعدم إقباله على الشهرة وأيضاً على أن تترجم أعماله إلى لغات أخرى منها اللغة العربية، لغة وطنه؟ من الواضح أن هناك علاقة، كأن قصيري قد سكب كل كسله، وفلسفته في ممارستها في أغلب أبطال روايته المنشورة حتى الآن.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة