عادل السنهورى

سوريا وجيوش الظلام وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط

الأربعاء، 04 ديسمبر 2024 02:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبل يوم الأربعاء الماضى كانت الأوضاع فى سوريا تبدو وكأن الحرب الأهلية التى اشتعلت منذ 13 عاما، قد انتهت وسيطرت الدولة الوطنية والجيش العربى السورى على غالبية الأراضى السورية.

لكن بصورة مفاجئة تفجرت الأوضاع وشنت ما يسمى فصائل "هيئة تحرير الشام" أكبر هجوم لها ضد الجيش العربى السورى منذ سنوات، واستولت على مساحة واسعة من الأراضى شمال غرب سوريا، بما فى ذلك معظم مدينة حلب، ثانى أكبر مدينة فى البلاد -4.5 مليون نسمة وهى العاصمة الاقتصادية لسوريا- بعد سحب الجيش لقواته منها بسرعة وبصورة أثارت الكثير من الحيرة والغموض حول طبيعة الهجوم والتخطيط له وتوقيته، وأيضا حول جهوزية الجيش السورى فى صد الهجوم وإجهاضه.

فهل جاء الهجوم الواسع ومن عدة جبهات لمرتزقة هيئة تحرير الشام مفاجئا ودون إعداد وتجهيز وبالتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية فى المنطقة؟

ولماذا تزامن الهجوم فى أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وقواعد وقيادات "حزب الله"، والهجمات المتكررة للطيران الإسرائيلى على التواجد الإيرانى فى سوريا وهما الطرفان الداعمان لسوريا فى الحرب ضد الفصائل الإرهابية؟

ومن أين كل هذا السلاح لهؤلاء المرتزقة الذين يتجاوز أعدادهم ال 30 ألف مقاتل ومن قدم لهم الدعم المادى واللوجيستى؟

هل الهجوم هو إعادة إنتاج للحرب الأهلية فى سوريا بكيانات مسلحة قوية وبجيوش خاصة تحارب بالوكالة عن قوى أخرى؟

الخريطة السورية حاليا وبعد 13 عاما من الحرب الأهلية مقسمة إلى أربعة أقسام، يتنازع السيطرة عليها الحكومة السورية ومجموعات وتنظيمات مسلحة بعد أن راح ضحيتها أكثر من نصف مليون سورى وتشريد حوالى 12 مليونا آخرين إلى خارج البلاد. وأدت إلى تدمير سوريا وجذبت قوى دولية وإقليمية إلى أراضيها.

التصريحات والروايات الرسمية وغير الرسمية التى خرجت من عواصم القوى المعنية عقب هجوم "هيئة تحرير الشام" بدت وكأنها "ضحك على الذقون" وغير قابلة للتصديق. فالمرتزقة و"جيوش الظلام" فى هذه المنطقة الاستراتيجية لا يتحركون إلا بالضوء الأخضر والاستئذان، ووفق لتوقيت محدد وخطط موضوعة بإحكام ودقة وبأهداف مرسومة.

فالولايات المتحدة الأمريكية ينتشر لها فى سوريا حاليا 28 موقعا منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، تضم ما بين 2000-3000 جندى أمريكى، بزعم دعم ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، ومنع قيام تنظيم "داعش" مرة أخرى وهذه القواعد موجودة فى محافظات الحسكة، دير الزور وريف دمشق، فى حين تتوزع نقاط التواجد بين محافظتى دير الزور والحسكة.

ومع ذلك أعلنت واشنطن أنها "لا تعلم شيئا عن الهجوم ولا علاقة لها به"، وتركيا أيضا قالت إنها ليس لها صلة بتلك الأحداث من قريب أو بعيد، برغم أن موقع الأحداث ومجرياتها تقع فى الشمال السورى الملاصق للحدود التركية، وفى قلب دائرة النفوذ التركى طوال الأعوام الماضية ومنذ عام 2011 وحتى الآن.

أما ما يثير الريبة والشك فيما يتم التخطيط له هو "الصمت الإسرائيلى" تجاه ما يجرى فى الشمال السوري. وسط تلميحات بمعرفة إسرائيل المسبق بالهجوم الكبير، وهو ما يتوافق مع تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلى عقب إعلان الهدنة الهش مع لبنان بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، دون تعليق من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى سواء بالسلب والرفض أو بالإيجاب والموافقة ولكنه بالصمت الذى يؤكد الموافقة.

رسم خارطة الشرق الأوسط مع الهجوم الأخير لهيئة تحرير الشام يبدو أنه سيكون عبر جيوش المرتزقة وشركات الأمن، فهيئة الشام -على سبيل المثال- اندمج فيها تنظيمات وعناصر أخرى ومرتزقة من خارج سوريا فتضاعفت قوتها حتى صارت لاعبا رئيسيا فى النزاع فى سوريا.

هؤلاء المرتزقة يطلق عليهم الكاتب مجدى كامل فى كتابه اسم "جيوش الظلام"، ويكشف مدى التطور الكبير لهؤلاء والذى أصبح أكبر حجما ويصل أحيانًا لنصف الجيوش الرسمية المحاربة وأكثر، حتى إن دراسات أمريكية وتقرير نشرته وكالة رويتر كشف عن أن عدد المتعاقدين الأمنيين المرتزقة فى العراق بلغ 100- 130 ألف مرتزق متعاقد، فى حين أن عدد القوات الأمريكية الرسمية هو 150 ألفًا.

ويطلق الكاتب على هذا النوع الجديد من المرتزقة "المرتزقة الجدد"، ونوع جديد من الحروب هى حروب "القطاع الخاص" أو "الحروب المخصخصة"، مضيفا أن "خصخصة الحروب" هى آخر صيحة فى عالم حروب اليوم، بعدما انتشرت شركات المرتزقة، وأصبحت تطلق على نفسها أسماء أكثر لياقة مثل: تسمية شركات حماية أو متعاقدون مدنيون أو متعهدون أمنيون.

وهذه الشركات تعمل من الباطن مع الحكومات، بل وغالبا يديرها مسئولون سياسيون أو عسكريون سابقون، مثل شركة "بلاك ووتر" المدججة بشتى أنواع الأسلحة التى تشتريها من مصانع السلاح الأمريكية، بموافقة الإدارة الأمريكية، وبمباركة "البنتاجون"، لتختزل فيما تمارسه من بيزنس الموت كل وظائف التاجر والمبشر والعسكرى، تحت غطاء أمريكى رسمى تباركه وتسانده الإدارة الأمريكية.

الجيش الإسرائيلى نفسه استعان -وما زال- بآلاف المرتزقة الأجانب سنويا، الذين يجندون للقتال فى الحروب وآخرها الحرب على غزة، بدافع الحصول على مميزات مادية وأجور مجزية. ويخدم المرتزقة فى وحدات الجيش الإسرائيلى المختلفة، ويشاركون فى العمليات القتالية والدعم اللوجستى وتدريب القوات المحلية، فضلا عن المساهمة فى تأمين المستوطنات ومشاركة المستوطنين فى أعمال العنف والعمليات العدائية ضد المدنيين الفلسطينيين، واغتيال ناشطى المقاومة.

والأمر ليس بجديد، فتجنيد المرتزقة ظاهرة قديمة منذ إعلان قيام كيان الاحتلال، وأسهم المرتزقة فى تأسيس الكيان وبناء جيشه عام 1948، وأخذت بعد ذلك وضعا مؤسسيا، ويروج الاحتلال الإسرائيلى لظاهرة الارتزاق على أنها قائمة على التطوع والإيمان، وتستخدم مصطلح "المتطوعين".

التخوفات مما هو قادم الآن فى المنطقة والناتجة عن تجليات وتداعيات ما حدث فى الحرب على غزة والحرب على لبنان وحزب الله مباشرة إيران بصورة غير مباشرة فى إعادة إنتاج "فوضى خلاقة جديدة" بالاستعانة بالجيوش الخاصة والمرتزقة متعددى الجنسية والذين يعملون فى شركات مقاولات الحروب فى ظل ما تعتقده قوى إقليمية ودولية فى المنطقة بوجود فراغ سياسى وعسكرى بعد ما حدث من إنهاك وأزمات لحزب الله وايران وضعف السيادة الوطنية السورية على كامل الأرض واستغلال انشغال روسيا -الصديقة لسوريا- فى حربها على أوكرانيا، وبالتالى محاولة اضعاف النفوذ الروسى فى سوريا. على الرغم من وجود قواعد جوية وبحرية لروسيا فى سوريا فى اللاذقية وطرطوس.

نجاح المخطط الجديد -لا قدر الله- لن يتوقف عند حدود الدولة السورية وإنما إلى حدود الدول العربية الأخرى فى المنطقة، والتى عليها أن تنتبه للحفاظ على ما تبقى من النظام الإقليمى العربى ومفهوم الدولة الوطنية.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة