في قلب مصر، حيث الأزقة المكتظة بحكايات لا تنتهي، والميادين التي تكتظ بروح الحياة، ينبعث صوتٌ يعرفه كل مصري، صوتٌ ينساب كجدول ماء رقراق، ليغمر القلوب دفئًا ويزرع في النفوس طمأنينة لا مثيل لها، إنها إذاعة القرآن الكريم، الشريك الصامت في رحلات المواطنين اليومية، والونس الذي لا يُفارِقهم في اليقظة والمنام.
يبدأ المواطن يومه مع أولى أنفاس الفجر، متكئًا على صوت إذاعة القرآن الكريم كما يتكئ المسافر على دليل طريقه، صوت عبد الباسط عبد الصمد يتلو بآياته الشجية، وكأنما يكتب على صفحة النهار إشراقة أمل جديدة، ومع أذان الظهر، يكون صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رفيق العامل في ورشته، والتاجر في دكانه، وربّة البيت بين أركان منزلها، لكن إذاعة القرآن ليست فقط أصواتًا تملأ الأثير، بل هي حياة كاملة تعبر عن وجدان المواطنين.
في السيارة، في الطريق، أو حتى على المقاهي، تتسلل كلماتها برقة، كأنها همس صديق عزيز يُخفف عنك عناء يومك، على وقع ابتهالات النقشبندي أو نصر الدين طوبار، يرتفع العقل عن صخب الحياة الدنيا، وكأنما يأخذ رحلة قصيرة إلى السماء.
تتحول إذاعة القرآن الكريم إلى مرآة للروح المصرية، تلك الروح التي تُحب البساطة وتعشق الجمال الممزوج بالإيمان، صوتها لا يملأ فقط فضاء المنازل، بل يملأها دفئًا، ويحول المحال التجارية إلى مواطن للبركة، وأماكن النوم إلى ساحات من الطمأنينة، إنها ليست إذاعة فحسب، بل رفيقة درب وذاكرة وطن، أجيال تعاقبت على سماعها، وكل جيل وجد فيها حكاية تخصه، وصوتًا يحنو عليه كأنها أم رؤوم.
في مصر، قد يخفت ضجيج الحياة لوهلة، لكن صوت إذاعة القرآن الكريم لا يخفت أبدًا، هو السكون الذي يطمئن القلب، واليقين الذي يُعيد ترتيب الفوضى في دواخلنا، ربما سر حب المصريين لهذه الإذاعة يكمن في بساطتها وفي صدقها، فهي لا تُجمل الحياة بقدر ما تُضيء جوانبها المعتمة.
وفي عالم يزدحم بالأصوات المتنافرة، يبقى صوت إذاعة القرآن الكريم هو ذلك الصوت المميز، الذي يذكّرنا دومًا أن الخير ما زال قائمًا، وأن الأمل يُولد من رحم الإيمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة