أحمد إبراهيم الشريف

أربع ورديات لـ مروة غزاوي.. كل الطرق تؤدي للألم

الإثنين، 30 ديسمبر 2024 12:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المجموعة القصصية "أربع ورديات" للكاتبة مروة غزاوي، الصادرة عن دار نشر المرايا، تمثل نموذجًا للأعمال الأدبية التي تُصنع بتأنٍ ودقة، حيث يتجلى فيها التمهل والاهتمام بالتفاصيل، ما يتيح للقارئ فرصة استكشاف كل جزئية بعمق.

ومنذ القصة الأولى "كاهنات المعبد وسفينة المعادي" وحتى القصة الأخيرة "خيانة وبداية"، نجد أنفسنا أمام عالم سردي تتصدره المرأة بأحزانها وآمالها، مع وجود الرجل كشخصية محورية في بعض الأحيان، ما يخلق توازنًا سرديًا يعكس تعقيدات الحياة.

وتتميز هذه المجموعة بتقديم خطاب أدبي إنساني يتجاوز حدود الجندر ليصل إلى جوهر التجربة البشرية، الكاتبة لا تكتفي بسرد القصص، بل تنسج عوالم تعكس معاناة الإنسان في ظل متطلبات المجتمع وتوقعاته، فتتناول المجموعة خيبات الأمل الناتجة عن العلاقات الإنسانية، والضغوط الاجتماعية، والرهانات الخاسرة التي كثيرًا ما تنتهي بنهايات مأساوية، وهذه القضايا تُطرح بشكل صادق وحقيقي من خلال شخصيات نسائية وذكورية تسعى للنجاة وتحقيق الذات، لكن غالبًا ما تعترضها قسوة الواقع.

وبالطبع فإن القصص ليست مجرد استعراض لمآسي المرأة أو الرجل، بل هي نافذة على النفوس المعذبة التي تحملها الشخصيات، حيث تتنوع النماذج البشرية في المجموعة، ما يضفي عليها طابعًا شموليًا يعكس ألوانًا مختلفة من المعاناة، ففي قصة "جريمة في الحرم الجامعي"، على سبيل المثال، يتجسد القهر النفسي الذي يعانيه أستاذ الجامعة، بينما تعبر قصة "البحر" عن إحساس عميق بالهزيمة والضياع.

وأسلوب مروة غزاوي في السرد يعد أحد أبرز نقاط القوة في المجموعة، فهو يجمع بين الشفاهي والكتابي، ما يجعل القصص تبدو كأنها حكايات تُروى في جلسة حميمة بين صديقتين، وهذا المزج يُضفي على النصوص طابعًا حميميًا يجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من هذه الحكايات،  فقصة "في بنزينة على الدائري" تقدم مثالًا واضحًا على هذا الأسلوب، حيث تعبر عن إحساس البطلة بالخطر نتيجة حملها، وكيف أنها احتفظت بتجربتها لنفسها، ما يبرز البعد الشخصي والإنساني للسرد.

رغم تنوع القصص والرسائل التي تحملها، إلا أن هناك خيطًا عامًا يربط المجموعة بأكملها، وهو تصوير صراع الإنسان مع الظلم والقهر. هذا الظلم ليس مقتصرًا على نوع واحد، بل يتجلى بأشكال متعددة تشمل الظلم الاجتماعي، العاطفي، وحتى الذاتي. البطلات في المجموعة يسعين جاهدات لتغيير مصائرهن، لكن غالبًا ما تصطدم محاولاتهن بجدران الواقع الصلبة، ما يعكس واقعية قاسية لكنها صادقة.

ما يجعل "أربع ورديات" تجربة أدبية مميزة هو قدرتها على الجمع بين العمق والبساطة، وبين الواقعية والحميمية. القصص لا تقدم حلولًا أو نهايات سعيدة، لكنها تفتح للقارئ أبواب التأمل في معاني الحياة، وتدفعه للتفكير في تعقيداتها. إنها مجموعة تلامس الوجدان، وتقدم صورة صادقة عن الإنسان في مواجهة قسوة الحياة، ما يجعلها إضافة قيمة إلى الأدب العربي الحديث.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة