نهى النحاس

عن التطوير الذى لا يصلح للجميع

السبت، 28 ديسمبر 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُعتبر التطوير العنصرَ الحاكمَ لاستمرارية مؤسسات الإعلام وبقائها منافسا بأسواقها، وفى حين قدمت مؤسسات كبرى حول العالم تجارب تطوير ملهمة نجحت فى دفعها إلى المستقبل، فإنه فى واقع الأمر إذا أرادت أى مؤسسة إعلامية أن تطور من أعمالها بجدية، وأن تكسر دوائر فارغة من ضعف الأداء والموارد، فعليها تصميم خطة تطوير فريدة تلبى احتياجات جمهورها هى وتحقق أهدافها بواقعية.


يبدأ التغيير بتقييم الوضع القائم للمؤسسة، وتحليل عميق للأسواق والجماهير المستهدفة، وتحدد مواطن الضعف والقوة، ثم تضع المؤسسة أهدافها المرحلية مع استراتيجيات قابلة للتنفيذ. لا تعرّف الأمور فى تلك الخطط على عمومها، ولا تتأثر بأحكام نهائية يتداولها أهل المهنة، مثل انتهاء الصحافة الورقية، واليوم هو للتحول الرقمى فقط، ومشاهدات التليفزيون تتداعى وغيرها من المقولات المعلبة الجاهزة.


تثار تلك المناقشات عاما بعد عام، ولا تراعى - فى جزء منها خصوصية - كل سوق وتفضيلات كل جمهور، تُغلق وسائل، ويستبدل مسار التمويل واستثمارات التطوير، بدون فهم لأسباب التراجع، بل استسهال، وترفُّع عن خوض غمار التطوير المرهق، وتنصُّل من مسؤولية دفع المؤسسة تجاه مستقبل من الأعمال غير معروف نتائجه.


دراسات الجمهور

تغيب دراسات الجمهور الدقيقة واستطلاعات الرأى عن خطط صانع التطوير، فتوضع المؤسسات الإعلامية فى عربة سريعة، معصوبة العينين، لا تدرى هل تسير على الطريق الصحيح؟ أم تتجه إلى الهاوية؟ هل هى فى أمان؟ أم أن زوالها أمر حتمى؟

إذا لم تستطع المؤسسة وصف جمهورها بدقة، وأن تفهم باستمرار التغيرات التى تطرأ على ذوقه واستخداماته وتفضيلاته، فلن تستطيع - مهما فعلت - أن تصمم خطة تطوير فاعلة وصادقة تبقيها لتنافس.


لا يجب على أى مؤسسة أن تقتنى سلة الأدوات الحديثة بالكامل لكى تأمل فى التغيير، ولكن يكفيها فقط ما يناسب جمهورها ويضمن لها الوصول إليه.


فإذا كان جمهورك لا يفضل المحتوى المسموع فلا جدوى فى الاستثمار بقوة فى البودكاست، وإن كان لا يقرأ اذهب له حيث يشاهد، وإن تنوعت خصائصه نوع منتجاتك الإعلامية.


فعلى سبيل المثال لا تستطيع مؤسسة مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن تنتهج نفس خطة التطوير التى وضعتها صحف عالمية مثل «نيويورك تايمز» و«آل بايس» و«فاينشيال تايمز»، ولا تستطيع أن تسرع عملية رقمنة منصاتها كما فعلت مؤسسات أخرى، وبالتبادل لا تستطيع تلك الصحف اتباع نهج وسياسة شبكة  CNN مثلا فى تجارب المحتوى، فالفيصل هنا وفى اتجاه التطوير دائما هو الجمهور.


وفى هذا السياق، تقول نايا نيسلون، مديرة خدمات التطوير والإنتاج الرقمى بـBBC «نوجه جزءا من استثماراتنا للتطوير إلى التحول الرقمى بالفعل كونه هو المستقبل إلا أننا لا نخاطب شريحة محددة من الجمهور متقاربة الخصائص والاستخدامات، ولكن جمهورنا كبير متنوع».


وتشرح نيلسون أنهم يتعلمون من نشاط الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعى، والمحتوى الذى يقدمونه عبر يوتيوب وتيك توك، وتؤكد أن السبب الرئيسى لنجاح BBC هو خبرتهم الطويلة فى فهم الجمهور، ووجودهم على الأرض لسنوات أطول.


ما قالته «نيلسون» هو تعبير عن واقع حقيقى وفهم عميق لاحتياجات المتلقين، ففى حين تعكف BBC على صناعة نماذج محتوى جديدة عبر مقاطع فيديو وصوت لكى تصل أفضل إلى جماهير أصغر عمرا وتلبى احتياجاتهم وتلاقى تفضيلاتهم، تعلن فى الوقت ذاته أرقام مشاهدات للتليفزيون التقليدى تبدو مذهلة، حيث وصلت مشاهداتها حول العالم هذا العام إلى 450 مليون مشاهد أسبوعيا مقابل 430 مليون العام الماضى.

المحتوى قبل الوسيلة
 

إذا سألت أى شخص مهتم بصناعة الإعلام بشكل عام، هل انتهت الصحافة الورقية؟ بنسبة كبيرة سيرد بثقة: «نعم انتهت وبكل تأكيد»!

لا جدال أن نسب اعتماد القراء على النسخ الورقية للصحف شهد تراجعا كبيرا حول العالم خلال العقد الأخير، ولكن ومع هذا التراجع، هل فقدت الصحافة الورقية مكانها بالكامل؟

لنبحث عن تجربة ملهمة وننظر معا إلى ما فعلته مجموعة «فايننشال تايمز»، والتى حققت ما يفوق 510 ملايبن جنيه إسترلينى كإيرادات خلال العالم الماضى، منها 2.75 مليون فقط قادمة من الاشتراكات الرقمية، وسجلت إيرادات الإعلانات أكثر من 134 مليون إسترلينى، كان نصيب الأسد منها للإعلانات المنشورة بالمنتجات المطبوعة، وفى حين حققت الإعلانات الرقمية زيادة 6% لهذا العام، زادت الإعلانات المطبوعة بنسبة 11% عن الفترة ذاتها.

 

أرقام ودلالات تجعل الجميع يتساءل فى حيرة كيف؟ وما هو سبب استمرار الإقبال على النسخة المطبوعة مقارنة بالمحتوى الرقمى؟

وفى هذا الشأن تشرح جين وايت، مديرة النسخة الورقية لـ«فايننشال تايمز» كيف أنهم فى المؤسسة واقعيون، وبالإضافة إلى تنوع منتجاتهم الصحفية والإعلامية، فإنهم درسوا جيدا واقع ارتفاع تكلفة الطباعة والتوزيع، واستطاعوا التغلب عليها بعدة طرق، منها تطوير تكنولوجيا الطباعة، التفاوض بقوة لخفض أسعار الموردين وزيادة التوزيع، وأهمها على الإطلاق كان تحليلا دقيقا للأسواق ومستويات المعيشة والقدرة الاقتصادية لدى القراء، وتوصلوا لحلول ذكية للتوزيع واستطاعوا فى النهاية خفض 58% من ميزانية المطبوع.


تقول جين «لقد استطعنا تحديد بدقة أين ننشر وأين نوزع» فى إشارة إلى خطة FT الذكية فى تقسيم المناطق المستهدفة إلى مجموعات تتلقى توزيعات الصحف الورقية، وأخرى يعلن أن التوزيع لن يكون متاحا فيها، وأن على القراء استخدام النسخة الرقمية.


وفى كل تلك الاستراتيجيات اعتمدت «فايننشال تايمز» على ركيزة رئيسية وهى جودة الصحافة التى تقدمها منذ عقود، واستمرار حاجة قرائها لها، والتزام كامل تجاه تطوير أعمالها بدون المساس بمستوى المحتوى.
قد يبدو الحديث مبتورا هنا، وهذا صحيح، فهناك عوامل أخرى عدة تحكم عملية التطوير، ولكن فى النموذجين المعروضين هنا، كانت العوامل المشتركة هى فهم عميق للجمهور ورؤية استباقية جادة لمستقبل الصناعة التكنولوجى والتقنى والتزام صلب بتطوير المحتوى بالتوازى والمحافظة على جودة الصحافة المقدمة بكل أشكالها.


التطوير ليس وساما على صدر المؤسسات الصحفية بقدر ما هو حاجة وجودية لبقائها، رؤية تختلف من مؤسسة إلى مؤسسة، والأكثر قدرة على النجاح بينهم هى الأكثر قدرة على تحليل احتياجات جمهورها واستشراف المستقبل بثبات.









الموضوعات المتعلقة

اليوم التالى لغرف الأخبار!

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024 04:11 م

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة