ببساطة، وبعيدا عن العمق والتعقيد والتقعر فى الشرح، فإن ما يحدث فى المنطقة، وفى القلب منها غزة، وسوريا، ولبنان، مجرد أطماع حقيقية، فيما ترى بعض القوى فى المنطقة أنها تمتلك إرثا تاريخيا تجب استعادته، وهى الأهداف الخبيثة السرية، أما التصريحات العلنية المغلفة بالحرص على مستقبل دولة ما، ومساندة القوى الباحثة عن التحرر من الأنظمة، هى مجرد تنويم مغناطيسى لا ينطلى على أحد، خاصة نحن المصريين، الذين ندرك حقيقة هذه التصريحات المعسولة طعما، والمحشوة سما قاتلا.
وبوضوح ودون مواربة أو تجميل وتزويق الكلام، ومن باب تذكير الشعوب، وفى القلب منها الشعب المصرى، يجب التأكيد على أن هناك ثلاث قوى فى المنطقة لديها مشاريع استعمارية كبرى، تتصارع فيما بينها تارة فى محاولة للاستحواذ على الكعكة بمفردها، وتارة للتنسيق فيما بينها من أجل اقتسامها وتوزيع الحصص وفق القدرة على التفاوض واستعراض القوة، وكأن الوطن العربى مستباح، وشعوبها ليس لهم الحق فى العيش فوق أراضيهم.
والقوى الثلاث، مشاريعها متشابهة فى فكرة الاستحواذ، وتختلف فى المسمى، فبينما إسرائيل ترى أحقيتها فى تأسيس دولتها الكبرى «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، وفق وعد إلهى، فإن إيران ترى أن لها إرثا فى المنطقة، بصفتها الوريثة الشرعية للإمبراطورية الفارسية، بينما تركيا ترى أنها الوريثة للإمبراطورية العثمانية، وتجب إعادة إرث الأجداد».
هذه الحقائق ليست من بنات أفكارى، أو تحليل شخصى، بل هى مشاريع طامعة وطامحة مكتوبة ومدونة، ومترجمة فى كتب ومراجع، ومنشورة فى الصحف، ومذاعة فى القنوات التليفزيونية المحلية منها والدولية، ومسموعة فى الإذاعات الكبرى، ومع التقدم والانتشار المخيف للميديا الجديدة، السوشيال ميديا بكل مشاربها، صارت تتردد على مدار اليوم.
ولا يمكن أن ننسى فى النصف الثانى من شهر أكتوبر 2019 تصريح الرئيس التركى، أمام منتدى «تى أر تى وورلد» والذى عقد فى إسطنبول، عندما قال: «الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل».. ثم أردف قائلا: «الأتراك اليوم يتواجدون فى جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد، فهم من نسل «يونس أمره» فى إشارة إلى القاضى العثمانى الشهير.
واستطرد قائلا: «تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية»، مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.
نفس الأمر أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فى الأمم المتحدة، سبتمبر الماضى، وهو واقف وممسك بخريطتين، لوّن إحداهما بالأخضر وسمَّاها «الخريطة المباركة»، وقد وصفها بأنها خريطة تربط الشرق بأوروبا بشكل يعد بالازدهار والسلام، وخريطة أخرى لوّنها بالأسود وسمَّاها «الخريطة الملعونة» والتى ضمَّت إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان وأجزاء من اليمن.
الخرائط الإسرائيلية تضم مشروع «ممر داود» فى الجنوب السورى، والذى يسهم فى تحقيق النبوءة التوراتية، «الدولة اليهودية الكبرى»، إرضاء لطموحاتها التوسعية فى تشريع الحرب والقتل، باعتبارهما جزءا من مخطط «إلهى» لإعطاء شرعية لأعمالها التوسعية، هذه العقيدة يربط القادة العسكريون الإسرائيليون بينها وبين النصوص الدينية وسياساتهم العسكرية ورؤية بنيامين نتنياهو التوسعية، وهو ما يعكس تحولا خطيرا نحو توظيف الدين كأداة لتبرير سياسات الاحتلال والعدوان.
لذلك سقوط النظام فى سوريا، وجدته حكومة نتنياهو، فرصة ذهبية لتنفيذ مشروعهم التوراتى العسكرى، وهى فرصة لن تتكرر!
أما إيران، فقدت نفذت مخططات إعادة إرث أجدادها واقعا عمليا من خلال تشكيل أذرع لها فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأن هذه الأذرع بدأت تنفيذ المخطط على الأرض، قبل أن يصطدم بمشروع إسرائيل «الوعد الإلهى» لالتهام أراضى الغير، وأيضا مشروع إعادة إرث الأجداد العثمانيين.
أصحاب المشاريع الثلاثة، انتهزوا فرصة الوضع فى سوريا، وقرروا التنفيذ من فوق الأراضى السورية، مع تراجع واضح فى الدور الإيرانى على الأرض، وتصاعد الدورين، الإسرائيلى والتركى، ومحاولة تقسيم التورتة بشكل أو آخر، وإيجاد مواءمات سياسية تمنع الصدام فيما بينهما.
هذه المشاريع، تغافلت أو تناست عن عمد، أن لو فُتح ملف الإرث التاريخى، فإن مصر لها حقوق فى معظم أراضى المنطقة، وأن الخرائط القديمة للدولة المصرية منذ أكثر من 5 آلاف سنة، وتضم من «بلاد بونت» الصومال حاليا، وحتى الاستانة، وكل بلاد الشام، ولم تكن هناك دول من التى تتناحر الآن وتدعى أن لها إرثا قديما.
مصر هى من تمتلك إرث نصف الدنيا، وإن كانت هى فعليا أم الدنيا، ولا توجد قوى على وجه الأرض تمتلك جناح بعوضة من أرض مصر.
فتح الملفات القديمة، ووفقا للخرائط التاريخية، فإن مصر تتقدم الصفوف وتتحدث بلسان طليق واضح، وعين قوية، بأنها الوحيدة من تمتلك الإرث التاريخى فى المنطقة، وأن مصطلح الحقوق التاريخية لا يصب فى مصلحة أى قوى سوى، مصر وفقط، ورغم ذلك فإن مصر ليس لديها أى أطماع، ولم تتطرق لقضية الإرث التاريخى، وتنشد السلام، ولا تتدخل فى شؤون الغير، وتعمل ليل نهار من أجل استقرار المنطقة، وترتدى بذلة رجل المطافئ لإطفاء الحرائق، مع إنها لو تحدثت عن الإرث التاريخى والجغرافيا القديمة، فإن التاريخ سينصفها، والأرض تنادى باسمها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة