كنا نحتفل بيوم 23 ديسمبر منذ عام 1957 عيدا قوميا للنصر على مؤامرة العدوان الثلاثي على مصر عام 56 عقب تأميم قناة السويس. الاحتفال بعيد النصر، كان عيدا قوميا لمصر استمر منذ عام 1957 حتى عام 1967، لكن ولأسباب غير مفهومة أو معروفة أصبح عيدا قوميا يقام الاحتفال به في مدينة بورسعيد المدينة الباسلة فقط وتقرر إلغاء الاجازة السنوية الخاصة به..
واليوم تمر الذكرى 68 على هذا اليوم المجيد في تاريخ مصر. ملحمة النضال الشعبي والمعركة السياسية العظيمة في تاريخ مصر المعاصر، قد لا تعرفه الأجيال الجديدة ولا تعرف أنه اليوم الذي حققت فيه بارداتها الوطنية الحرة وبدعم ومساندة الشعوب الحرة في العالم العربي وفي دول أجنبية بالاحتفال ما خاضت من أجله معركة 56 وهو استعادة قناة السويس من الوصاية الدولية واستقلال مدن القناة من الاحتلال الإنجليزي والنهاية الرسمية للاحتلال البريطاني لمصر وغروب شمس الإمبراطورية البريطانية وإعلان الفشل الذريع للعدوان الثلاثي من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل وانسحاب قواتها من سيناء وبورسعيد
قبل هذا اليوم المجيد في تاريخ مصر بأربعة شهور وتحديدا يوم 26 يوليو 56 أعلن الزعيم الوطني الشاب جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية تأميم قناة السويس ردا على مماطلة البنك الدولة ومن وراءه الغرب وواشنطن في تمويل مشروع بناء السد العالي.
لم يكن رفض البنك وواشنطن قرض التمويل بسبب مشروع السد العالي فقط وانما محاولة لردع هذا الرئيس الشاب الطموح - 38 عاما – صاحب الأفكار الثورية والوطنية والطامح في بناء بلده وتجهيز جيشه، فقد رفض الغرب تزويد مصر بالأسلحة التي يحتاجها الجيش المصري في مرحلة بناءه وتجهيزه فلجأ ناصر الى الاتحاد السوفيتي عبر بوابة تشيكوسلوفاكيا للحصول على الأسلحة ولذلك أطلق عليها " صفقة الأسلحة التشيكية"، العدوان أيضا كان لتأديب عبد الناصر والضغط عليه بعد رفضه الانضمام لحلف بغداد الذى رعته الولايات المتحدة وبريطانيا وتأسس في فبراير عام 55 وضم العراق وتركيا وإيران وباكستان بدعوى الوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط. لم يرفض عبد الناصر الانضمام للحلف فقط وإنما قاد حملة ضارية لإسقاطه تجاوبت معها الشعوب العربية.
دبرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مؤامرة الغزو العسكري لمصر، في 29 أكتوبر 1956 توهما منهما أنه الوسيلة الفعالة لإسقاط الزعيم المصري الشاب. انتصرت الإرادة المصرية على المؤامرة الثلاثية وسجلت مدن القناة، خاصة بورسعيد، بطولات فريدة سطرها التاريخ. فقد كافح الشعب المصري في بورسعيد العدوان بكل ما يملكه من سلاح وإرادة وايمان بحرية الوطن وقدمت بورسعيد ملحمة كفاح عظيمة وقدمت المئات من أرواح أبناءها شهداء في سبيل مصر واستحقت أن تكون " المدينة الباسلة" من ذلك الوقت وحتى الآن واصبح يوم 23 ديسمبر هو عيدا قوميا للنصر وعيدا خاصا لبورسعيد ومقاومتها الشعبية.
وفي الاحتفال الأول بعيد النصر يوم 23 ديسمبر عام 57 وقف الزعيم جمال عبد الناصر ليخطب ويتحدث عن بورسعيد في شهادة للتاريخ على استبسال قوات المقاومة الشعبية لأبناء بورسعيد،: "كانت بورسعيد تمثل طليعة المعركة، وكانت مصر كلها تحت السلاح"،وقال عنها الرئيس الراحل أنور السادات: "إن بورسعيد حمت مصر وحمت العروبة"، وقال عنها المناضل اللاتيني ارنستو تشي جيفارا: "لقد منحتنا بورسعيد العزيمة لتحرير كوبا"، وقال عنها الزعيم الجزائري أحمد بن بيلا، قائد ثوار الجزائر: "بورسعيد قبلة النضال العالمي"، وقالت عنها المناضلة الجزائرية جميلة بو حريد: "إنها أرض الأبطال".
لم يكن يوم 23 ديسمبر يوم للنضال المصري فقد وانما يوما وأياما للعروبة، فقد ساندت الدول العربية مصر أمام العدوان وقامت بنسف أنابيب النفط في سوريا، وفي 2 نوفمبر اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بوقف القتال، وفي 3 نوفمبر وجه الاتحاد السوفيتي إنذارا إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وأعلن عن تصميمه على محو العدوان. وأدى الضغط الدولي بقيادة الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن، إلى وقف التغلغل الإنجليزي الفرنسي، وقبول الدولتين وقف إطلاق النار ابتداءً من 7 نوفمبر. تلاها دخول قوات طوارئ دولية تابعة للأمم المتحدة. وفي 19 ديسمبر أُنزل العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد، تلى ذلك انسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في 22 ديسمبر، وتسلمت السلطات المصرية المدينة الباسلة واستردت قناة السويس، وهو التاريخ الذي تحول إلى عيد قومي لمصر وليس لبورسعيد فقط. خرجت مصر منتصرة وتجسدت زعامة عبد الناصر، واضطر أنتوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني للانزواء وترك الساحة السياسية حتى وفاته، وغربت الشمس عن الامبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها، وتأكدت مصرية قناة السويس وملكية خالصة للمصريين.
ومع هذا فقد تقادم يوم عيد النصر وأهملنا يومه، وتجاهلنا الاحتفال به.. فلم يعد يوم إجازة ولم يعد يذكره أبناء الأجيال الجديدة ولم تعد تذكره وسائل الاعلام كثيرا.
علينا استعادة الأيام المجيدة في تاريخنا الوطني وكفاحنا ونضالنا المشرف من أجل الحرية والاستقلال والبناء من أجل الحفاظ على الوعي العام وصونه وحمايته. وهذا دور أجهزة الاعلام ووزارة الثقافة والأجهزة المعنية لتذكير وتنشيط الذاكرة الوطنية والجمعية للأجيال الجديدة بالصفحات المضيئة في تاريخ النضال الوطني والمقاومة الشعبية المصرية، وإظهارا لما يحمله هذا النصر من بطولات قدمها أهالي بورسعيد، وبرهانا على أن مردود التفاف الشعب واصطفافه حول قائده هو رد لكيد الحاقدين والمعتدين.وكل عام ومصر دائما في نصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة