تستشعر من قوة النسيج الواحد والتلاحم والاصطفاف أن المصريين جميعا خرجوا من «مشيمة» واحدة، وحتى الذين يأتون منذ القدم للإقامة فى مصر هناك مشيمة صناعية ينصهرون فيها و«يتمصرون» فكريا واجتماعيا، ولا تستطيع تفرقتهم عن الذين ولدوا بطريقة طبيعية، لأن حالة النسيج الواحد للمجتمع المصرى، وصفها الدكتور جمال حمدان، خير توصيف، عندما أكد أن الكلمة المفتاحية فى شخصية مصر البشرية تتحدد فى التجانس.. التجانس الطبيعى، التجانس المادى، التجانس السكانى، التجانس العمرانى، بجانب وحدة الوطن السياسى.
أيضا تتسق هذه الوحدة مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى لا ينطق عن الهوى: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبوبكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة».
كما تتجلى وحدة الشعب المصرى وقوة تلاحمه عند استشعار الخطر، وعند محاولات التعدى على حدود بلاده والمساس بترابه الوطنى، وكما شرحنا فى مقال أمس أن الثالوث المقدس «الأرض والشعب والجيش» فإن العبقرى المصرى الراحل جمال حمدان، أوضح أن تصاعد تجانس المصريين حتى يتخلل نسيج شخصية مصر ويجعل من مصر المعمورة بيئة أحادية تماما، ومن ثم البشرية فالاقتصادية، ونتيجة ذلك فإنه من الصعب أن نجد بلدا يخضع فى ملامحه لقانون التدرج كوجه مصر، فإذا كان التجانس هو قانونه الأول فإن التدرج قانونه المكمل.
الدكتور جمال حمدان، أكد أن وحدة النسيج الوطنى المصرى، والوحدة السياسية، ضاربة بجذورها فى عمق التاريخ، وتتجاوز 5 آلاف سنة، مستخلصا لنظرية غاية فى الأهمية والبلاغة والقدرة الفائقة على فهم طبيعة الشعب المصرى، وجغرافيته، مفادها أن مصر وطن «سياسى طبيعى» وأن الوطنية بما تعنيه من تماسك نسيج المجتمع وتلاحمه فى إطار من الثقافة المشتركة المستندة إلى المصلحة والحياة المشتركة فى بيئة فيضية مغزولة حول نهر مشترك.
ونختتم رؤية العبقرى جمال حمدان، وتوصيفه لحالة قوة ووحدة وتماسك الشعب المصرى، المتفردة فى العالم، عندما قال: «ببساطة.. إن مصر أقدم وأعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة، مصر هى «قدس أقداس» السياسة العالمى».
وإذا أراد بعض المشككين الكارهين من طغمة الجماعات والتنظيمات والذباب الإلكترونى، على ما ذهب إليه الدكتور جمال حمدان عن سر وقوة تماسك النسيج الوطنى ووحدته، فإننا نسوق ما قاله ألد أعدائنا، دافيد بن جوريون ورفاقه من المؤسسين للكيان الصهيونى، تعليقا على أن ضمان أمن وأمان واستقرار إسرائيل مرهون بتقسيم وتفتيت العالم العربى، وتحديدا العراق والشام ومصر، قائلا: إن قوة إسرائيل ليست فى سلاحها النووى وإنما قوتها تنبع فى تفتيت مصر وسوريا والعراق على أسس دينية وطائفية، ويمكن أن ننجح فى العراق وسوريا، بينما من الصعوبة بمكان أن يتحقق النجاح ذاته فى مصر لقوة تماسك شعبها الصلبة.
الدليل أنه ومنذ فجر التاريخ، دائما ما تتحطم المؤامرات على أعتاب مصر، نبرز نماذج حية فى كيف كان التفتيت يبدأ بالعراق ثم سوريا والشام، وتتحطم على حدود مصر.. الدليل الأول، عندما قاد صلاح الدين الأيوبى جيشا قوامه من المصريين، وطارد الصليبيين، وانتصر عليهم فى معركة حطين عام 1187 ميلادية.
الدليل الثانى، عندما قاد سيف الدين قطز، جيش مصر، لإيقاف توغل المغول بقيادة «كتبغا»، والذين أحرقوا الأخضر واليابس فى البلاد الإسلامية، من العراق لسوريا، وقرر مواجهتهم فى سيناء وانتصر عليهم فى معركة عين جالوت فى 25 رمضان الموافق الثالث من سبتمبر عام 1260 ميلادية، وتصنف المعركتان كأبرز المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى.
الدليل الثالث، فى العاشر من رمضان، الموافق 6 أكتوبر عام 1973، عندما سطر الجيش المصرى نصرا عبقريا، وعبور أقوى مانع مائى فى التاريخ الحديث، واستطاع استرداد سيناء.
مصر قوتها الحقيقية فى قوة تماسك شعبها، ووحدة نسيجها الاجتماعى وقدرتها على لفظ الطائفية، وأن الجميع يذوب عشقا فى الوطن وأراضيه، واعتبار ترابه مقدسا، ويظهر ذلك بجلاء عندما يستخرج من مخزونه التاريخى العريق، البسالة والشجاعة والقدرة عند استشعاره الخطر، ويستوحش فى الدفاع عن وطنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة