خلال عام 2024 جرت الكثير من التحولات الكبرى فى مسارات الصراع والسياسة تشير إلى تغييرات فى بنية الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط، وبشكل ربما يتجاوز الكثير من التوقعات، وكلما بدا أن الأحوال والصراعات تتجه للاستقرار، فقد اشتعلت التفاعلات بشكل جعل من الصعب رسم خرائط واضحة للتوقعات، ومع هذا فقد حمل عام 2023 بذرة التحولات الكبرى فى عام 2024، الذى يأبى أن ينتهى قبل أن ترتفع درجات حرارة التغيير إلى ما بعد الغليان.
وبالفعل، فإن تاريخ 7 أكتوبر 2023 هو نقطة التحول التى تبدأ منها تحولات عام الغليان الحالى، والتقت بتداعياتها وظلالها على كل ما جرى طوال عام لا يزال يطلق نقاط التحول، ولا يمكن فصل ما جرى فى غزة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضى عن باقى التفاصيل التى تعتبر تغييرا جذريا فى الكثير من الثوابت، التى استقرت فى المنطقة طوال عقود، وربما منذ «سايكس بيكو» 1916، التى وزعت النفوذ وقسمت الحدود، هذه الحدود يبدو وأنها ستشهد تحركا، كان الحديث خطته تبدو نوعا من الخيال قبل عقدين لكنه يدخل حيز التنفيذ، بسبب تفاعلات تواصلت طوال أربعة عقود على الأقل.
بعد 13 عاما واجهت سوريا كل أنواع الحروب بالوكالة، انتهى المشهد بسقوط سريع لدمشق ومدن سوريا، وهروب بشار الأسد وأسرته، وتسليم سوريا إلى ميليشيات كانت تمثل أدوات لدول وأجهزة، هذا السقوط السريع كان نتيجة مباشرة لإفراغ الساحة من قوات حزب الله، وانسحاب لإيران وقواتها من سوريا لسد فجوات الجبهة فى جنوب لبنان، ومن حيث أراد الأمين العام الأسبق لحزب الله استعادة جبهة غزة، انتهى الأمر بانهيار جبهات لبنان وسوريا، واغتيالات طالت 400 قيادة كبرى إيرانية ومن حزب الله، بمن فيهم الأمين العام الأسبق وخلفائه ثم اختراقات وثغرات انتهت بسقوط مروع للحزب.
وبالتالى فإن هروب بشار الأسد، وسقوط سوريا السريع لا ينفصل عن تطورات الأحداث طوال 15 شهرا من الحرب، بدأت بطوفان الأقصى، وتفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، التى ظهرت كطرف فاعل فى أحداث 7 أكتوبر، وانتهت كطرف خارج المعادلة باضطرار واتفاق، وبعد أن وضعت إسرائيل الصراع مع إيران فى الصورة المباشرة، بعد سنوات كان الأمر مجرد تبادل تهديدات.
وبالتالى فإن ما جرى فى جنوب لبنان وسوريا، هو نتاج تفاعل الأحداث طوال شهور، وربما قبلها، حيث انتهى الحال بهروب الأسد، وإنهاء المؤسسات وإعادة تفكيكها وبنائها بمعرفة السلطة الجديدة، التى يمثلها فى الظاهر أحمد الشرع «الجولانى» بعد تقديمه فى صورة جديدة، بعيدا عن تاريخه مع داعش والقاعدة، ويظهر فى صورة جديدة يتم تغذيتها من نفس الإعلام، الذى لعب دورا فى تلميع التنظيمات فى سوريا والعراق قبل أن تهزم داعش، وبالتالى هناك إعادة تسويق لصورة «الجولانى»، الذى أعلن عن إعادة بناء جيش سورى من مقاتلى التنظيمات التى تحارب طول السنوات السابقة.
بالطبع، فإن مفاتيح الحال فى سوريا تتوزع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا، ودول عربية وإقليمية، بعض هذه الأطراف تدفع للتقسيم، والبعض يقاوم ذلك، واستبقت إسرائيل الأمر باحتلال أراض فى سوريا، كأمر واقع، وسط صمت واضح من السلطة الجديدة، مع أنباء عن اتجاه أمريكى لإسقاط مكافأة الملايين الخاصة بتسليم الجولانى سابقا.
سوريا هى نقطة التحول الأكبر بعد عام الغليان الذى بدأ فى 7 أكتوبر، ولم يتوقف عن التفاعل، وكان عام الغليان الحالى يحمل تحولا فى شكل ومضمون الصراع بشكل مختلف عما سبق طوال عقود، بل هو بمثابة تغيرات كبرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة