إن إحداث تنمية اقتصادية شاملة غاية ينشدها الجميع، وتسعى إليها شتى دول العالم دون استثناء؛ فمن المعلوم بالضرورة أن الاقتصاد يشكل عصب الدول، وأداة البناء الرئيسة، التي على أثرها يمكن النهوض بكافة المجالات الأخرى؛ فلا نهضة، ولا تنمية، ولا تقدم، ولا ازدهار، ولا رفاهية، بعيدًا عن اقتصاديات داعمة، توفر المقومات اللوجستية لكل ما سبق، بل يضاف لذلك استقرار الأوطان عسكريًا، وسياسيًا، ومجتمعيًا؛ حيث إن الدول التي تمتلك الاقتصاد القوي الحر تحتل مكانة الريادة والتنافسية دون مواربة.
وفي هذا الخضم نقدر ونثمن جهود القيادة السياسية المصرية والمؤسسات الوطنية المعنية بالاقتصاد تجاه العمل الدؤوب لمواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية، والتي تستلزم أن تعيد الدولة المصرية علاقاتها وتوطدها مع كافة الدولة الشريكة والفاعلة في هذا المجال الحيوي؛ ومن ثم نعي أهمية القمة الحادية عشرة للدول الثماني النامية، والتي نوقشت خلالها مستجدات الساحة العالمية الاقتصادية، ودشنت فيها العديد من الاتفاقيات الجديدة تستهدف غايات مستحدثة تصب في بوتقة الاقتصاد لتلك الدول الفاعلة.
وتتألف الدول الثمانية من مصر وتركيا وإيران وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنجلاديش ونيجيريا، وكل دولة من هذه الدول تشكل مركز ثقل استراتيجي يسهم في إحداث نقلة نوعية في العديد من المجالات الاقتصادية على وجه الخصوص، وهذا ما يضمن محور الاستدامة في العلاقات ويقوي من أواصر التعاون على كافة الأصعدة والمجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك، بل ويحدث التعزيز الذي بات فاترًا بين شعوب تلك الدول، حتى وإن كانت هناك علاقات قديمة؛ لكن تجديد دماء الاندماج وتبادل المصالح يُحيي كثيرًا من أواصر العلاقات بين تلك الدول على المستوى الإنساني.
وبواعث الاهتمام بتعضيد اقتصاديات الدول الثماني لا تنفك عن اهتمام مشترك فيما بينهم نحو العمل بكل جد تجاه استقرار المنطقة؛ فمن المعلوم أن مناخ التنمية يتطلب أمن وأمان واستقرار؛ فالعلاقة الارتباطية بين الثالوث السياسي والعسكري والاقتصادي موجبة ووطيدة؛ ومن ثم تقتضي المصالح المشتركة أن تتضافر الجهود لتعزيز السلم والسلام في المنطقة، بل لا نغالي إذا ما قلنا في العالم بأسره.
وجميع قادة الدول الثمانية يتوافقون على أمر جامع، وهو يشكل التحدي الأكبر الذي يقف عائقًا حيال التنمية الاقتصادية؛ ألا وهو الحروب؛ حيث إنها تُؤدي إلى خسائر فادحةٍ بين أطراف الصراع؛ إذ تسفر نتائجها المباشرة عن تدميرٍ بالبنى التحتية وإزهاقٍ الأرواح، وتدميرٍ كلي للاقتصاد وكافة مقوماته؛ فقد شاهدنا بعين الحسرة قصف للموانئ والمطارات والمخازن بتنوعاتها، كما رصدنا ما صورة الضرر البالغ الذي لحق بالطرق ومساراتها وتنوعاتها؛ فتتوقف الحركة، وتعطل عمل كافة المؤسسات الانتاجية وخرجت المؤسسات الخدمية وخاصةً الصحية منها عن العمل؛ بالإضافة لحالة الذعر والخوف والخشية من الموت المتوقع على مستوى الفرد المسلح والمواطن الأعزل.
ونرى بعين التفاؤل ونظرة المستقبل المشرق أن مخرجات إن قمة منظمة الدول الثماني الإسلامية للتعاون الاقتصادي تحقق ماهية الأمن القومي للمنطقة بأسرها؛ حيث إن التنمية الاقتصادية القائمة على التعاون، والحرص على تعضيد الاستقرار السياسي في المنطقة، ووقف نزيف الدماء، ودحر مخططات المخربين والمغرضين، والتعاون في شتى المجالات الاقتصادية وغير الاقتصادية، كل هذا يصب في مصلحة الجميع دون استثناء، ويجني ثماره الشعوب، وتصبح البلدان ملاذًا آمنًا للجميع.
إن قمة منظمة الدول الثماني الإسلامية للتعاون الاقتصادي تميزت وتفردت باهتمام بفئة الشباب ودوره الفاعل في التنمية الاقتصادية؛ حيث يتميز الشباب بالمقدرة على العطاء والبذل؛ نظرًا لما يمتلكونه من طاقة متجددة وجرأة في الممارسة ودأب نحو تحقيق الهدف؛ لذا أضحت الريادة التي تقوم على التفكير الابتكاري والتنظيمي الذي يسعى للربط الوظيفي بين التطبيق والتنظير وسيلة مهمة في تفعيل آليات العمل والإنتاج في تلك البلاد النامية، وهنا نستخلص دعوة صريحة فحواها إطلاق طموح الشباب ليتحمل مسئولية الحفاظ على الوطن، وصون مقدراته، والعمل المتواصل والجاد لنهضته، ورفع رايته بين مصاف الدول في ضوء التحديات التي تواجه العالم بأسره.
ولقد لاحظنا انبهار القادة بجمال العاصمة الإدارية المصرية؛ حيث إن إطلالتها الداخلية تفيد ببراعة الفكر التخطيطي الاستراتيجي للدولة المصرية العظيمة؛ فهناك روعة التصميم الفريد، ولا يسعني إلا أن نشيد ونثمن جهود فخامة الرئيس ومؤسسات الدولة والقائمين على تنفيذ العاصمة الإدارية اللبنة الرئيسة للجمهورية الجديدة، كما نشد على عضد الدولة في تبني فلسفة تدشين المدن الذكية الجاذبة للاستثمار والميسرة لأوجه المعاملات والتعاملات والأعمال.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة