بيشوى رمزى

سوريا والغرب

الأربعاء، 18 ديسمبر 2024 12:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وفود دولية باتت تتوافد إلى سوريا، في بادرة تحمل في طياتها رغبة في التصالح، أو بالأحرى التأقلم مع الوضع الجديد الذي تشهده البلاد بعد عقود من عدم التوافق، أفضت إلى حالة أشبه بالمقاطعة خلال العقد الماضي، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، بينما كان الانفتاح على دمشق محدودا، في أعقاب الانتصار المرحلي للنظام، مع التدخل الروسي، خلال المعركة التي خاضها ضد الجماعات المسلحة، وهو الأمر الذي لم يشفع كثيرا لبشار الأسد، على خلفية عدم استغلاله للزخم الناجم عن تلك الحالة المنفتحة، خاصة في الدائرة العربية لصالح إيران من جانب، ناهيك عن مواقفه التي تبناها واتسمت بانحيازها إلى تحالفاته الدولية، خاصة فيما يتعلق بالموالاة لموسكو على حساب الغرب، وهو ما بدا بوضوح مع بزوغ الأزمة الأوكرانية.

ولكن بعيدا عن مواقف سوريا في عهد الأسد، خاصة خلال السنوات الأخيرة، والتي تناولتها في مقالات سابقة، تبقى حالة التأقلم الدولي مع الوضع الجديد في دمشق، ملفتة إلى حد كبير، في ضوء اختلاف المواقف الحالية عما كانت عليه ربما قبل أسابيع معدودة، في إطار ما يمكن اعتباره محاولة من قبل المجتمع الدولي لإعادة دمج دمشق، في إطار حالة من المصالحة، سواء مع المؤسسات السورية، أو ما يمثله القادة الجدد، من تيارات، كانت بالأمس القريب موصومة، وهو ما بدا في استهدافهم من جانب العديد من القوى الدولية لسنوات طويلة، وهو ما يعكس احتمالات وجود صفقة ما ترتبط بالمستجدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في اللحظة الراهنة، في ظل العدوان الإسرائيلي الممتد من غزة وحتى اليمن، مرورا بلبنان، بل وامتد مؤخرا إلى استباحة الأراضي السورية نفسها.

الحديث العلني الذي يتداوله المسؤولون هنا أو هناك، دار في إطار الدعوات للمصالحة الوطنية، وبناء المؤسسات، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات نزيهة، وهي نفس الأمور التي سبق وأن تحدثوا فيها في نماذج سابقة، فشلت جميعها في تحقيق أيا منها، بينما يبقى الواقع الجديد على الأراضي السورية، مع إقدام الاحتلال على ضم جزء منها، غامضا لم يتم الإعلان عنه، ولا أدري إن كان قد تم الحديث عنه في الغرف المغلقة أم لا، خاصة بعدما تم تقويض المؤسسة العسكرية، سواء على خلفية المعارك الخاسرة التي خاضها في الأسابيع الماضية، أو بعد استهدافها من قبل قوات الاحتلال للقضاء على ما تبقى من مقدراتها.

إلا أن الأمر الذي لا خلاف عليه أن ثمة حالة من المهادنة، أو ربما الاستسلام من قبل سوريا الجديدة، في مواجهة تهديدات الاحتلال، وهو ما يرجع في جزء منه للارتباك الناجم عن الوضع الجديد، والحاجة الملحة إلى لملمة الأمور، في ظل المرحلة الانتقالية الراهنة، ناهيك عما أسفرت عنه التطورات في الداخل السوري من تجريدها من حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم إيران وحزب الله، من جانب أو الدوليين وعلى رأسهم روسيا من جانب آخر، وثلاثتهم ألد أعداء المعسكر الغربي، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، ومن ورائهم إسرائيل، وهو ما يساهم، بصورة كبيرة، في حالة القبول المرحلي للحالة الراهنة، في إطار الانفتاح الملموس على دمشق.

الرؤية الغربية للحالة السورية، تمثل محاولة لاستنساخ مشهد "الربيع العربي"، عبر مصالحة مع تيارات بعينها، تحمل في طياتها صفقات تقوم في الأساس على أولوية أمن إسرائيل، والدوران في فلك المعسكر الغربي، وهو الأمر الذي لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال، عن المشهد الإقليمي بصورته الجمعية، مع الاعتداءات الإسرائيلية المتواترة، منذ أكثر من عام، والتي وإن جاءت تحت ذريعة الدفاع عن النفس في أعقاب طوفان الأقصى، فإنها حملت هدفا رئيسيا يتجسد في بعثرة الأوراق الإقليمية من جديد، عبر إعادة استنساخ الفوضى التي شهدها الإقليم في العقد الماضي.

فلو نظرنا إلى تسلسل الهجمات الإسرائيلية نجد أن غزة كانت نقطة الانطلاق، باعتبارها الأولوية القصوى في إطار مخططات التهجير، بينما كانت الهجمات على لبنان لإضعاف حزب الله، ثم التشابك مع إيران (وكلاهما حلفاء الأسد الرئيسيين في المنطقة)، بينما قامت بمناوشات عدة في الجولان لجر الجيش السوري نحو المواجهة، لتقوم المعارضة آنذاك بهجماتها، استغلالا للموقف، فتكون الساحة مهيأة لها للسيطرة على المدن التي سقطت واحدة تلو الأخرى، في مواجهة قوات منهكة، فيسقط النظام، الذي تبقى من إرث مرحلة ما قبل الربيع المزعوم.

وهنا يمكننا القول بأن التأقلم الدولي مع الحالة السورية الجديدة يبدو مشروطا، ليس في واقع الأمر مع المستجدات في الداخل، أو القدرة على تحقيق ما تم الإعلان عنه أمام الكاميرات، فيما يتعلق بالمصالحة والمؤسسات والدستور والانتخابات، وإنما بما يمكن أن يبديه القادة الجدد من تجاوب مع مطالب الغرب، سالفة الذكر، والمرتبطة في الأساس في إدارة العلاقة مع إسرائيل على أساس عدم المساس بها، من جانب، والدوران في فلكهم فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران أو روسيا أو غير ذلك من القضايا، وما قد يترتب على ذلك من تجريد الخصوم الإقليميين من أبرز حلفائهم من جانب آخر، وهو ما بدا في الدعم الأوكراني للمستجدات التي شهدتها دمشق مؤخرا، وهو ما يحمل نكاية صريحة في "العدو" الروسي، ومحاولة لحشد الداعمين لها في معركتها التي تخوضها ضده.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة