محمد شعلان

عم درويش.. نموذج للأخلاق الجميلة وعفة اللسان

الأحد، 15 ديسمبر 2024 03:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عم درويش الجندي رجل هادئ الملامح كنت أراه يوميا يقود دراجته البسيطة متجها إلى محل عمله ورشة النجارة في نهاية الشارع الذي كنت أعيش فيه خلال مرحلة طفولتي، وأراقب ملامح وجهه وهو يلقى التحية على الجيران على صفي المنازل في وداعة وسلام، وما وجدته يوما إلا ملتزما الصمت ويركز في عمله فقط حيث يضع المسامير في مقدمة فمه ويقلب اليد بين أصدقاه الشاكوش والمنشار والكماشة ويعيش في حياة بمفرده.

كطبيعية أي طفل يرصد طبيعة الشخصيات التي تحيط به في طفولته كنت انظر لهذا الرجل كنموذج أراه بشكل يومي في حياتي وسط عائلاتنا والجيران وأجد منه الطيبة وعفة اللسان ولا يتلفظ بأي لفظ مسيء ولو على باب المزاح مع أحد، ولم أكن اتعامل مع شخص عم درويش فكنت طفل بالنسبة له ولكن ترك أثر أخلاقه يعبر عنه ليحصد نتيجته اليوم.

تابعت طقوسه اليومية حينما يفتح ورشته في التاسعة صباحا ويبدأ في إخراج أدواته من محل عمله ويرش المياه أمام الورشة ويفتح الراديو على إذاعة القرآن الكريم بصوت متوسط حتى لا يزعج جيرانه حتى وإن كان صوت القرآن الكريم، واسمع نسمات إذاعة القرآن تخرج من ورشته العتيقة في شارعنا وترتيلات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد مرة والشيخ رفعت مرة أخرى والمنشاوي وإبداعاته، ثم يبدأ في تنظيف معداته وإخراج شغله والاندماج في عمله حتى أذان الظهر، ثم يتولى باقي اليوم حتى يغلق ورشته مع أذان العشاء.

عم درويش الطيب لم أجده ذات مرة يتعارك مع أحد أو يسخر أو يذم في جار أو زبون، وكانت ورشته في وسط النهار ملجأ لضجيج لعب الأطفال الذين لم يجدوا مكان يستوعبهم في الشارع سوى بجانب ورشته، وكنت أشعر بسعادة غامرة إذا دخلت ورشته لما لها من روح جميلة وكأن أخلاق صاحبها انعكست على جدرانها.

فوجئت أمس بصورة لعم درويش الطيب الذي لم أراه منذ سنوات طويلة تتجاوز الـ15 سنة، ولم يتغير شكله رغم كبر سنه على إحدى جروبات مواقع التواصل الاجتماعي مع كلمات تنعي وفاته، وفزعت من فقدان هذا النموذج وأتمنى تأسي الآلاف بل الملايين بأخلاقه الجميلة ولسانه العفيف والتزامه في عمله.

نموذج عم درويش يوجد منه الكثير في مجتمعنا من المصريين الذين نحتت شخصياتهم الأيام القديمة والعادات الاجتماعية الجميلة والتدين البسيط الذي لا يظهر فيه شدة ولا غلظة الوجهة ويتمحور في كلمات بسيطة وهي "الدين المعاملة"، ونحتاج اليوم ملايين من شخصية عم درويش في كل شبر في بلادنا من الذين عفا عليهم تراب الأيام وأجهدت روحهم صعوبات الحياة ومتطلبات العصر الحديث.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة