مما لا شك أن هناك حالة من الأمل انتابت البعض بشأن إنهاء الحروب فى العالم بعد فوز ترامب، وذلك بسبب تصريحاته ووعوده بإنهاء الحروب فى العالم، ومؤكد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية فى ظل ولاية ترامب الجديدة ستشهد تحولا كبيرا نحو ملفات الصراع خاصة الحرب الروسية الأوكرانية، وفى ملف الحرب على غزة ولبنان وبؤر الصراع فى الشرق الأوسط، لكن من المؤكد أيضا أن هذا التحول لن يكون بالسهولة التى يتخيلها البعض.
صحيح، الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب، معروف بسياساته الغير تقليدية، ومعروف بقدرته على عقد الصفقات، ومعلوم أن شخصيته تجعله أكثر حرية فى التعاطى مع ما يسمى بالدولة العميقة فى الولايات المتحدة، ما يعنى كل هذا أن قراره أحياناً كثيرا لا يخضع لتأثير، غير أن هذه الولاية الجديدة تمنح ترامب فرصة ذهبية وهى أن حزبه الجمهوري حصل على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وقادر على حصد الأغلبية فى مجلس النواب ما سيعطيه استقلالية أكثر فى القرار، وحرية أكبر فى تنفيذ وعوده، وتحقيق برنامجه الانتخابي.
لكن علينا أن لا ننسى - ونحن نتحدث عن ملفات ساخنة - أن هناك كثيرا من معطيات الأمر الواقع قد تؤثر على ترامب ووعوده وسياسته، منها، وجود أكثر من لوبى فى الولايات المتحدة شريك فى صناعة القرار الأمريكى، مثل لوبى النفط، ولوبى السلاح، ولوبى الصهيونية العالمية، والذى من المؤكد أن هذه اللوبيات ستكون لها تأثير - مثلا - فى تعاطى ترامب مع حرب روسيا وأكرونيا، وحرب غزة ولبنان، خلاف أن هناك حرصا من قبل الولايات المتحدة على السيطرة على الاتحاد الأوروبي، وأن يكون دائما تابعا لها لضمان السيطرة على النظام العالمى، وبالتالى فى حال قلق الأوربيين من تخلى الولايات المتحدة عن حمايتهم يجعلهم يذهبون إلى بحث سبل وايحاد حلول سياسة واقتصادية وعسكرية لحماية أنفسهم بأنفسهم ما يخرجهم من تحت عباءة الولايات المتحدة، وما يعنى تهديد مباشر للنظام العالمى بقيادة واشنطن، وبالتالى فمن المؤكد أنه سيتم تطويع تصريحات ترامب بشأن حلف الناتو وأوروبا حتى إيجاد صيغة مناسبة فى ترميم العلاقات بين ترامب وأوروبا، وكذلك إيجاد صيغة مناسبة فى حرب روسيا وأوكرانيا لهذا السبب، وحتى لا تغضب أيضا لوبى السلاح الذى يستفيد من هذه الحروب، وتطمئن أوروبا ولا تمنح روسيا انتصارا يزيد من نفوذها مستقبلا.
أما بالنسبة لوعود ترامب فى حرب غزة ولبنان علينا أن لا ننسى اللوبي الصهيونى، وأن إسرائيل أحد ثوابت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأنها أحد محددات الأمن القومى الأمريكى، وأنها هى وبريطانيا من زرعوا إسرائيل فى المنطقة ١٩٤٨ كأداة لتنفيذ وخدمة المشروع الأمريكى والغربى فى الشرق الأوسط يعنى أن إسرائيل هى الوكيل أو الذراع الأكبر لأمريكا فى الشرق الأوسط، وبالتالى دعم إسرائيل ثابت لن يستطيع أى رئيس أمريكى أن يتخلى عنه.
لكن من الممكن فى ظل رغبة ترامب إيجاد صيغة أو صفقة لتسوية لا أكثر وهذا سيأخذ كثيرا، خاصة أنه يتبقى شهرين على تولى ترامب رسميا.
ما يعنى أن إسرائيل ستسعى بقوة الآن لفرض سياسة أمر واقع للتمهيد لهذه الصفقة أو التسوية السياسية التى سيقودها ترامب وقد لا ترضى الفلسطينين وتدخل الصراع مرحلة جديدة لكنها مختلفة المعالم عن الحرب الدائرة الآن.
غير أن هناك إشكالية فى الداخل الأمريكى تخص ترامب ومحاكمته جنائيا والقضايا المتهم بها، وذلك فى ظل تنامى حالة من الجدل القانوني فى الأوساط السياسية والقانونية والاعلامية بشأن تسويه هذه المحاكمات قضائيا، والحديث عن سقوطها من خلال عفو من الرئيس جو بايدن قبل المغادرة للبيت الأبيض، أو إمكانية ترامب العفو عن نفسه، وفى كل الحالات هناك اختبار للديمقراطية الأمريكية جديد، وسيناريوهات يشأن هذه القضايا منها الانتهاء بسيناريو حبس ترامب حال عدم وجود حل، ما يعنى أن هناك حالة عدم يقين بشأن ما يجرى فى هذا الملف التى قد يغير أحد سيناريوهاته المعادلة كلها.
إذن، ما زالت الحروب دائرة، وتجارة السلاح رائجة، ودم الإنسانية ينزف، والجبهات مشتعلة فى بؤر الصراع حول العالم، وهناك تحركات كبرى خاصة فى الصين وأوروبا ما يضع مستقبل العالم على برميل بارود، قابل للانفجار فى أى وقت، لكن كلنا أمل أن يفيق العالم وأن يعود إلى الاستقرار والسلام بإنهاء هذه الحروب والتخلص من هذه الحضارة التى تستهدف قتل القلوب على حساب العقول وتدعم الاحتلال والشذوذ الفكرى والقيمى بداعى الحداثة والعصرية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة