في ذاكرة المصريين تستقر نظرة سلبية، وتسكن مخاوف دائمة في التعامل مع صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية ومع كل زيارة للصندوق يضع المصريون أياديهم على قلوبهم من مطالب الصندوق ونتائج الزيارة.
التجربة التاريخية للعلاقة بين مصر و"الصندوق وأخوانه" ليست جيدة على الإطلاق، وكانت بداية القصيدة في عام 1956 عندما رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي. ومن يومها فالعلاقة يشوبها القلق والخوف، وطوال أكثر من 60 عاما لم تكتمل أغلب اتفاقات مصر مع الصندوق رغم أن تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلا.
أول اتفاق مع الصندوق وقعته مصر في مايو 1962، للحصول على أول قرض للتثبيت الاقتصادي، لكن المفاوضات تم تجميدها فترة من الزمان، إلى أن عادت الحكومة المصرية لاستئنافها في النصف الثاني من السبعينيات، حيث اقترضت مصر من صندوق النقد الدولي لأول مرة في تاريخها عامي 77-1978 فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات نحو 186 مليون دولار، لحل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم الذي قارب 8.6%.
في أغلب الأحوال كانت مصر لا تستكمل برامج الصندوق حتى النهاية لأنها عادة ما تشمل الشروط المعتادة من ضرورة خفض سعر الجنيه أمام الدولار، ورفع أسعار المنتجات البترولية، وفرض ضرائب جديدة لتقليل عجز الموازنة والإسراع في تنفيذ برامج خصخصة الشركات والبنوك العامة. وهو ما يثير المخاوف من تأثيرات اقتصادية واجتماعية سلبية.
ربما التعاون الأكبر في العلاقة بين مصر والصندوق، هو ما حدث منذ العام 2016 وحتى الآن وحصلت مصر على أضخم قرض في تاريخها من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار على 6 شرائح على مدار 3 سنوات تزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في ذلك العام.
وخلال 2020 حصلت مصر علي 2.77 مليار دولار كمساعدات عاجلة من خلال أداة التمويل السريع للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا، وتزامن من زيارات متكررة لمراجعة التزام الحكومة ببرامج الإصلاح الاقتصادي.
وخلال الساعات القادمة ينتظر المصريون نتائج زيارة بعثة الصندوق ومديرته السيدة كريستالينا جورجييفا في إطار المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي التي تأجلت إلى الشهر الجاري بعد انتهاء اجتماعات الصندوق السنوية في واشنطن ويصل المبلغ المرتبط بهذه المراجعة 1.3 مليار دولار.
مصر قبل الزيارة الحالية المرتقبة للصندوق اتخذت بعض الإجراءات خلال الأشهر الماضية، وفق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي منها زيادة أسعار الوقود البنزين والسولار والغاز الطبيعي والمازوت والبوتاجاز ورفعت أسعار الكهرباء وفقاً لشرائح الاستهلاك بداية من أغسطس الماضي.
هذه المرة هناك مخاوف من المصريين من أن تؤدي المراجعة الرابعة للحصول على حزمة مالية بقيمة 8 مليارات دولار إلى زيادة جديدة في الأسعار في ظل تمسك الصندوق بمطالبه برفع الدعم الحكومي للخدمات وتحرير سعر الصرف رغم اعلان الصندوق تخفيف بعض الشروط بما فيها السماح لمصر بمزيد من الوقت لتنفيذ الاصلاحات.
الرئيس عبدالفتاح السيسي استشعر هذه المخاوف بعد تحريك اسعار الوقود الأخيرة وأكد خلال كلمته بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية أن الاتفاق مع الصندوق الدولي إذا وصل بالمصريين لـ"وضع غير محتمل" فستجري مراجعته. وهي الكلمة التي أثارت ارتياحا وقبولا لدى الشارع المصري.
الصندوق في تعامله مع الدول لا تهمه أية صعوبات أو مشاكل اقتصادية في تلك الدول، لا يهمه سوى شروطه وأهدافه التي لا يحيد عنها منذ ـاسيسه عقب الحرب العالمية الثانية. فسياساته واضحة ولا تحتاج الى تفسيرات.
لكن هذه المرة توجيهات الرئيس واضحة تماما بإمكانية مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي خاصة في ظل التحديات والحروب المحيطة بالدولة المصرية، بما يعني صعوبة اتخاذ قرارات جديدة تزيد الأعباء على المواطنين.
مصر حققت الكثير من المستهدف من برنامج الاصلاح الاقتصادي وعلى الصندوق أن يعي ويتفهم طبيعة الأوضاع الاستثنائية في المنطقة والظروف الصعبة التي انعكست على الأوضاع الاقتصادية لمصر، فما يطالب به الصندوق من استمرار خفض الدعم على الوقود والكهرباء وسلع أخرى والسماح للعملة المصرية بالتحرك أو التعويم، وفق محددات العرض، والطلب لن يكون مقبولا في ظل الظروف والأوضاع الحالية بالمنطقة وتأثيراتها السلبية.
ورغم التصريحات الإيجابية لمديرة صندوق النقد بأن مصر تتحمل أعباء كبيرة نتيجة الصراعات فى غزة والسودان، واستضافة حوالي 9 ملايين مواطن من الدول التى تشهد صراعات فى منطقة الشرق الأوسط، فمازالت هناك مخاوف على السيدة كريستينا والوفد المراف لها أن يبددها عمليا في الزيارة الحالية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة