الكلام يعكس كثيرا من المعلومات عن الشخص المتكلم، فعملية الكلام عملية معقدة، بحيث ينتج عنها صوت الإنسان أثناء التكلم، وصوت الإنسان ليس فقط مجرد موجات صوتية لها ترددات مختلفة، ولكنه أيضا يحمل فى طياته كثيرا من المعلومات على مستوى لغوى ومستوى آخر غير لغوي. فالمستوى اللغوى مقصود به الكلمات التى يستخدمها الشخص للتعبير عن مكنوناته وأفكاره ومشاعره، أيضا تركيبات الجمل المختلفة التى تختلف من شخص لآخر حتى عند التعبير عن نفس الشعور.
والمقصود هنا بـ"الكلام" ليس فقط الكلمات والجمل وتركيباتها، ولكن أيضا مقصود به "الصوت". فالصوت هو الملازم الأول لعملية الكلام، فلا كلام بدون صوت. بالرغم من إمكانية سير عملية الكلام من خلال استخدام لغة الإشارة أو لغة برايل (اللتين يستخدمهما الأشخاص ذوى الإعاقات السمعية أو البصرية)، إلا أن فى هذا السياق تستخدم هذه اللغات المتعارف عليها عالميا، لسير عملية التواصل وليس الكلام. حيث إن الأصل فى استخدام جميع اللغات وجميع الإشارات هو "التواصل"، ومن لا يستطيع التواصل عن طريق الكلام (أو بالأحرى الصوت) يمكن له التواصل من خلال استخدام لغات أخرى، لا تستدعى التكلم (أو صدور صوت).
هيا بنا صديقى القارئ نبحر معا فيما يمكن استخراجه من معلومات من خلال صوت الإنسان أثناء الكلام، وذلك بصرف النظر عن اللغة التى يتحدثها المتكلم. فصوت الإنسان يحمل فى طياته معلومات عن هوية المتكلم وشخصيته ومدى انفراديته وتميزه، من الناحية الصوتية وكذلك الشخصية؛ حيث يتصل صوت الشخص المتكلم بمستواه الاجتماعى والثقافى ودرجته العلمية وبيئته التى نشأ بها وتأثر بها، كما يحمل الصوت مميزات فزيائية تعود للاختلافات التشريحية من حيث البنية الجسدية للمتكلم، والتى بدورها تنتج صوت مختلف من شخص لآخر.
وأيضا يحمل صوت الإنسان معلومات عن حالته الصحية، وحالته النفسية اللحظية، مما يدل على نوع الموقف الحالى الذى يتعرض له المتكلم (موقف حزين، أم سعيد، أم مزعج، وهكذا). وتختلف طريقة كلام الشخص باختلاف تعبيراته تجاه المواقف المختلفة، بحيث ينعكس الموقف الذى يتعرض له الشخص على طريقة كلامه.
على سبيل المثال، إذا كنت تتحدث إلى أحد أصدقائك المقربين على الهاتف وتحكى له عن موقف مررت به منذ لحظات، وتحكى وأنت فى مزاج عصبى شديد العصبية، نتيجة الموقف الذى تعرضت له، فتجد أن صوتك يعكس مدى حالتك العصبية ومدى شدة الموقف وتأثيره على طريقتك فى الكلام. بحيث يكون صوتك هو صوتك، ولكن طرأت عليه تغيرات فى طريقة الكلام لكى تعبر عن مكنونك العصبى تجاه الموقف الحالي؛ فإذا قمت بتسجيل صوتك وأنت تتحدث بطريقتك المعتادة، وصوتك أثناء حكى الموقف العصبى، ستلاحظ مدة الفرق فى طريقة كلامك وكيفية تغير صوتك ليعبر عن مكنون المشاعر المزعجة التى بداخلك. وبالطبع يلاحظ الآخرون ذلك التغير الصوتى عليك.
ويحدث ذلك عادة بين الأزواج وزوجاتهم، فربما يكون الزوج منزعجا من شيء يخص العمل، والزوجة لا تعلم شيئا عنه، فعندما يعود الزوج إلى المنزل ويتحدث إلى زوجته فى موضوعات مختلفة تخص المنزل، تجد الزوجة طريقة كلامه بها نبرة عصبية، أى يختلف صوته عن الطبيعى الذى تعتاد عليه الزوجة، ومن هنا تبدأ الصراعات والمشكلات الزوجية. حيث تعتبر الزوجة أن الزوج منزعج من أمور المنزل ولا يحب أن يتعاون معها. رغم أن أصل نبرة صوت الزوج العصبية تعود إلى انزعاجه من العمل وليس من المنزل، ولكن كثيرا من الرجال لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم بالتحدث أو استخدام الكلمات المناسبة فى الوقت المناسب، فتجد أنه لا يستطيع توضيح الأمر لزوجته، ولا يدرك من الأصل أن نبرة صوته مختلفة عن الطبيعى الذى تعتاد عليه الزوجة. ففى وجه نظره هو يتحدث ويتفاعل مع حديثها وكلامها.
وكما يعبر الصوت عن الحالة النفسية اللحظة التى نتعرض لها خلال المواقف الحياتية المختلفة، يعبر الصوت أيضا عن حالة الجسد الصحية، أى الحالة المرضية للشخص المتكلم. ويعود ذلك لطبيعة العملية الكلامية وكيفية خروج الصوت البشرى من الإنسان أثناء التحدث، وقد تطرقنا لهذا الموضوع بالتفصيل فى مقال سابق. وبما أن الصوت يخرج من عدة أجهزة فى جسم الإنسان، فإن عملية خروج الصوت قد تتأثر بأى خلل أو قصور فى هذه الأجهزة. وقد ينتج هذا الخلل أو القصور نتيجة إصابة الإنسان بأمراض مختلفة؛ مثل: التهابات الحنجرة، والأنف والأذن، والتهابات الرئة والشعب الهوائية، والتهابات المعدة والجهاز الهضمى، الضعف والوهن الشديد، أو انخفاض ضغط الدم الشديد، أو أى إصابات أو التهابات يتعرض لها المخ. وبصرف النظر عن هذه الإصابات التى تبدو أنها خطيرة، فعندما يصاب الإنسان ببعض التعب والإجهاد، فيصبح غير قادر على الكلام، وربما كثير ما تسمع من أحد أصدقائك جملة "أنا تعبان ومش قادر أتكلم"، وربما يكون هذا "التعب" جسدى أو نفسي".
تذكر معى صديقى القارئ عندما تصاب بدور برد أو إنفلوانزا، فتجد نفسك غير قادر على الكلام، وعندما تكون فى حالة نفسية سيئة، فتجد نفسك غير قادر على الكلام! وهكذا صديقى القارئ، فالصوت والصحة وجهان لعملة واحدة. فكثير من الأمراض يمكن استنتاجها من خلال صوت الإنسان أثناء التحدث، والتى ربما لم يشكو الإنسان من أى أعراض مزعجة بالنسبة له. أثناء التدريبات الصوتية وتدريبات اكتشاف المدى الصوتى للشخص، قد نجد أن الشخص لديه مشكلات فى التنفس أو الأنف والأذن، أو وجود بعض النتوءات على الثنايا الصوتية والحنجرة، التى تستدعى التدخل الجراحى، فى حين أن الشخص المتكلم لا يشكو من أى عرض مرضى، ولكن صوته يدل على حالة جسده الداخلية. وكذا يتم توجيه الشخص إلى الطبيب لكى يتم تشخيصه وفحصه بشكل طبى دقيق.
صديقى القارئ إذا كنت ترغب فى الحفاظ على جودة صوتك ومدى تأثيره، فلا بد أن تحافظ على جودة صحتك النفسية والجسدية. فالصوت القوى المفعم بالطاقة والحيوية يدل على جسد صحى، ونفسية متزنة. والصوت المهزوز، وغير الواضح يدل على جسد مريض ومجهد ونفسية سيئة وغير متزنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة