<< الشعراوي كان يصلى الفجر ويذهب لمسجد فاضل باشا يوم الجمعة ليكون قريب منه
<< الشيخ رفعت لم يحضر الذكرى الأولى لتأبين الملك فؤاد وحرص على حضور ميتم جارته والملك فاروق أخذ منه موقفا
<< جدي رفض الالتحاق بالإذاعة في البداية وشيخ الأزهر افتى له بجواز قراءة القرآن فيها
<< الشيخ رفعت رفض القراءة في مهرجان المهراجا بالهند والليلة بـ100 جنيه وكان يقرأ رمضان كله بمصر بنفس المبلغ في الشهر
<< جدي علم ليلى مراد مخارج الحروف وصالونه الثقافي كانت تحضره أم كلثوم ونجيب الريحاني وأحمد رامي ومحمد عبد الوهاب
<< الشيخ رفعت كان يحب سماع الموسيقى الكلاسيكية لبخ وبيتهوفن وموتسارت
<< تروماي 5 لم يكن يسير صباح الجمعة خلال قراءة الشيخ محمد رفعت القرآن بمسجد فاضل باشا
<< آخر مرة قرأ فيها جدي في مسجد فاضل باشا أصعب لحظات حياته وأجهش بالبكاء فتحول المسجد إلى مأتم
<< الراحل حسن يوسف طلب مني معلومات عن جدي لأداء شخصيته واعتذرت له ولن أقل بتقديم حياته كعمل درامي ولو أعطونى مال قارون
<< لا يستطيع أحد تقليد صوت الشيخ رفعت ومدرسته روحانية متفردة وتقارب صوت الشيخ أبو العينين شيشع معه ليس صحيحا
محن كثيرة تعرض لها منذ نعومة أظاهره، استطاع بفضل الله أن يحولها لمنح، فقد بصره في الثانية من عمره، ثم فقد والده السند والمسئولية وهو ما زال في سن التاسعة، وجد نفسه مسئولا عن أسرة بالكامل، ولكن صوته الجميل جعل شيخه في الكُتاب يرشحه للقراءة في الليالي والمآتم مكانه، ولم يدخل الأزهر، لكن قراءاته كانت سببًا في تفسير معاني كثيرة لعلماء الأزهر، أصبحنا نعرف رمضان من خلال صوته المميز سواء في آذان المغرب أو قراءة القرآن قبل المغرب ويليه مدفع رمضان، إنه شيخ قراء الزمان محمد رفعت.
في حوار تخلله البكاء ومشاعر فياضة حاولت من خلالها حفيدة الشيخ محمد رفعت، هناء حسين أن تكشف الكثير من مراحل حياة جدها، والصعوبات التي واجهها، وكيف أنه رفض الكثير من العروض الخيالية لعلاجه وقال جملته الشهيرة "خادم القرآن لا يهان ولا يدان"، لم يكن مقبلا على المال، كان يعشق الثقافة والقراءة رغم فقدانه لبصره كان يحرص على جعل أبنائه يقرأون له الكتب التي يكان يقتنيها، وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..
الشيخ محمد رفعت يتناول القهوة
فقد الشيخ محمد رفعت بصره وهو بعمر عامين.. ما السبب؟
السبب في فقدان البصر كان هناك روايتان الأولى أنه أصيب بالرمد وهو صغير وتمت معالجته بشكل خاطئ، لأنه لم يكن هناك تقدم في الطب حينها، وكانوا يستخدمون الطرق البدائية مثل اللجوء إلى العطار، وهناك رواية تؤكد أن سبب فقدانه البصر، الحسد، وكان الشيخ أبو العينين شعيشع يقول: "رغم أنه فاقد للبصر، لكن كانت عيناه جميلتان للغاية وملونة، وعندما تنظر له لا تصدق أنه كفيف"، والبعض قال إنه اتحسد وكان هذا هو الفكر السائد في هذا الوقت.
ماذا فعل والده عندما فقد الطفل الصغير البصر؟
عندما فقد الشيخ محمد رفعت، بصره، وجد والده أن حالة ابنه تستدعي حفظ القرآن الكريم، فبدأ الأب في تحفيظ ابنه القرآن في المنزل حتى استطاع أن يجعله يحفظ ثلث القرآن الكريم، وكان هذا أمر شاق على الأب، فسلمه بعد ذلك لكُتاب بشتاك ليستكمل حفظ القرآن وأتم حفظ القرآن وعمره تسع سنوات.
هل الأب هو من اكتشف موهبة ابنه في قراءة القرآن وصوته الجميل؟
الأب لم يكن يشعر بموهبة ابنه لأنه توفى قبل أن يذيع صيت الشيخ محمد رفعت، ويعرف أن صوته مميز، ولكن أراد والده أن يحفظ محمد رفعت القرآن لأنه أصبح كفيفًا ولم يعد له طريق سوى حفظ القرآن، ولكنه توفى قبل اكتشاف صوت ابنه المميز.
الشيخ محمد رفعت
طفولة الشيخ محمد رفعت كانت صعبة.. كيف كانت علاقته بالأسرة خاصة أن والده توفى وهو ما زال طفلا؟
الشيخ محمد رفعت كان من الممكن أن يعيش في كنف والده وينعم لأن والده كان يحبه كثيرًا منذ ولادته وكان يحمله دائما ولا يضعه على الأرض من جماله وحلاوته وكان سعيدا للغاية به، فكان من الممكن أن يعيش في هذا الحنان والعطف من الأب، لكن حكمة الله عز وجل أراد أن يحرم الشيخ محمد رفعت من عطف الأبوة وهو في عمر 9 سنوات، ليجد نفسه مسئولًا عن أسرة كاملة من أم و3 أشقاء.
هل وجد الشيخ محمد رفعت من القرآن الكريم حصنًا له ولأسرته من الفقر بعد وفاة أبيه؟
كان مفترض أن يعول الأسرة وهو طفل عوده ما زال أخضر، ولكن في الحقيقة هذه من الهدايا التي أعطاها له الله وهو ما زال طفلا صغيرا، فطوال عمره كان صابرا وراضيا ومتوكلا على الله، وعندما تحمل مسئولية الأسرة، كان حينها شيخه في الكُتاب سعيدا به وبصوته، فكان دائما يرشحه في أي ليلة أو مأتم، حيث يقرأ القرآن مقابل أجر ليصرفه على أسرته وأشقائه، فاضطر أن يحصل على أجر يعيش ويصرف به على الأسرة التي أصبح مسئولًا عنها وهو ما زال طفلا وكفيف ولا يملك شيء من الدنيا سوى صوته، لذلك بدأ يقرأ في السهرات الدينية منذ صغره من خلال ترشيح شيخه له نظرا لجمال صوته.
من اكتشف موهبة الشيخ محمد رفعت؟
جدي كان يتعلم في كتاب بشتاك وكان ملحقا بمسجد فاضل باشا بجوار مدرسة الخديوية بالسيدة زينب، ومن اكتشف موهبته هو شيخه الذي كان يعلمه في الكتاب وشعر أنه مميز بين الطلاب، ولما كانت تأتى له مناسبات ليقرأ فيها، كان يرشح الشيخ محمد رفعت لحضور تلك المناسبات، وكان يقدمه للناس الذين يريدون إحياء الليالي.
ماذا فعل الشيخ محمد رفعت بعد إتمامه حفظ القرآن؟
عندما أتم حفظ القرآن، أصبح قارئ سورة في مسجد فاضل باشا، يوم الجمعة، وكانت الناس مبهورة بصوته وجماله، ورغم أن المسجد كان صغيرًا، لكن كان يوم الجمعة يمتلأ عن أخره وكانوا يفرشون أمام المسجد كي يساع المصلين الذين يأتون من كل مكان، وكان يمر تروماي نمرة 5 الذي كان يذهب إلى مسجد السيدة زينب، فكان يتوقف ولا يستطيع المرور بسبب المصلين الذين يسمعون صوت الشيخ محمد رفعت، وحينها ذاع صيت الشيخ محمد رفعت قبل انضمامه للإذاعة.
ما قصة الألقاب الكثيرة التي حصل عليها الشيخ محمد رفعت من "قيثارة السماء" إلى "سيد قراء الزمان"؟
الشيخ محمد رفعت حصل على ألقاب عديدة منها "صوت السماء" و"قيثارة السماء" و"سيد قراء الزمان"، وهي كلها ألقاب من محبيه ومريدينه الذين أطلقوها عليه، حيث يقال عنه "سيد قراء الزمان" لأنه سبق بقية القراء الذي جاءوا قبله ومن جاءوا بعده، وخلال الفترة التي عاش فيها كان هناك الشيخ على محمود، والشيخ الصيفى، ومشايخ كثر، لكن هو من ظهر وسطهم وذاع صيته بشكل كبير وغطى على جميع من تواجدوا معه خلال فترته.
وكان الشيخ على محمود أكبر من الشيخ محمد رفعت وسبقه في تلاوة القرآن، والشيخ على محمود عندما كان يذهب للقراءة في ليلة يوجد بها الشيخ محمد رفعت، كان يقول "طالما الشيخ محمد رفعت موجود أنا لن اقرأ وسأجلس لأسمع صوته"، وكان سعيدا للغاية بالاستماع لصوته، لذلك كانوا يسمونه "البهلوان" من كثرة حركته أثناء جلوسه بالدكة خلال استماعه لصوت الشيخ محمد رفعت، فكان عاشقًا له وظل صديقًا له حتى أخر لحظة في حياته، حيث توفى قبل الشيخ محمد رفعت عام 1949، وكان يحب الشيخ محمد رفعت ويزوره ويجلس معه كثيرا.
ما هي المدرسة التي كان ينتمى لها الشيخ محمد رفعت وصديقه الشيخ على محمود؟
الاثنان كانا ينتميان لمدرسة واحدة هي مدرسة الصوفية الطريقة النقشبندية، حيث تتلمذوا على يد الشيخ أمين البغدادى، وهو رجل كان صاحب علم وله مقام خلف مسجد سيدنا الحسين، وكانا الاثنان مع بعضهما في الطريقة الصوفية، وكانا قريبان من الله عز وجل، وهذا كان واضحًا من الطريقة التي يقرأ بها الشيخ محمد رفعت، والتفرد في صوته والنبرة كلها جاءت من عند الله سبحانه وتعالى.
هناء حسين حفيدة الشيح محمد رفعت
الشيخ محمد متولي الشعراوي أشاد كثيرا بصوت الشيخ محمد رفعت.. هل كان هناك علاقة تجمع بينهما؟
الشيخ الشعراوى، أول جمعة ذهب فيها لمسجد فاضل باشا، وصل الساعة 10 صباحا، ولم يجد مكان ليجلس ويستمع لصوت الشيخ محمد رفعت، وحينها قال له المصلين إنه إذا أراد أن يجد مكان في المسجد قبل صلاة الجمعة عليه أن يصلى الفجر ويذهب للمسجد فورًا، فكان يوم الجمعة من كثرة الزحام والناس تتمنى أن تجلس وتستمع لصوته، وكيف يخرج مخارج الألفاظ، حيث كان يعطي كل حرف من الحروف حقها وهو ما يمثل إعجازا.
وبالفعل صلى الشعراوى، الفجر، ثم ذهب للمسجد ليجد مكانا، وفكرى أباظة، أكد نفس الكلام من خلال حديثه بأن المسجد كان مزحما للغاية كل يوم جمعة، والشيخ الشعراوي كان مرتبطا بصوت الشيخ محمد رفعت، عندما جاء للقاهرة، وكان دائما يحب الذهاب لمسجد فاضل باشا لسماعه، والشيخ محمد رفعت لفت انتباه الشيخ الشعراوي وغيره من طلاب الأزهر الشريف من خلال قراءاته لمعانى في القرآن الكريم التي كانت غائبة عنهم، لذلك كان الشعراوي من مريدين الشيخ رفعت.
لماذا ظل الشيخ محمد رفعت يقرأ في مسجد فاضل باشا لحوالي ثلاثين عاما؟
لقد عرض عليه مساجد كبيرة للغاية، وعرض عليه أن يكون قارئًا في مسجد السيدة زينب والحسين، لكنه رفض، فقد كان لديه صفات مهمة ورئيسية وكان لديه وفاء للمكان الذى تعلم ودرس فيه وظل متمسكا بألا يترك مسجد فاضل باشا وفاءا للمكان وظل يقرأ فيه حتى أخر مرة احتبس فيها صوته وانقطع تماما عن القراءة.
لماذا تردد الشيخ محمد رفعت في البداية عن قراءة القرآن في الإذاعة المصرية بداية افتتاحها بعد ترشيح البرنس محمد علي توفيق ولي عهد الديار المصرية له؟
الشيخ محمد رفعت هو من افتتح الإذاعة المصرية في مايو 1934 وكان شيئا جديدا للغاية على المجتمع المصري وكذلك المجتمعات التي حولنا سواء الإذاعات الإنجليزية أو الفرنسية فكان لنا السبق، ومع إمكانية بث القرآن من خلال هذا الشيء الجديد، جعل الشيخ محمد رفعت يخشى أن يتواجد الراديو في مكان لا يليق بجلال وعظمة القرآن وقدسيته، فخاف أن يغضب الله عليه.
الشيخ محمد رفعت واسرته
لماذا استفتى الشيخ محمد رفعت شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم قبل تسجيل صوته؟
بعد أن رشحه البرنس محمد علي، تحدث جدي مع شيخ الأزهر في هذا الوقت والذي كان يحب أن يستمع للشيخ محمد رفعت، وقال له: "لا تخاف وسير على بركة الله، وسأكون أول واحد يشترى الراديو في بيتي، ويمكن يكون هناك أناس بعيدة عن الله وعندما تستمع لتلاوتك في الراديو يتقربون من الله ويهتدون، والقرآن نزل على كفار في قريش والناس اهتدت بالقرآن فقد تكون سببًا في هداية أناس كثيرون"، فاقتنع وافتتح الإذاعة المصرية.
هل كان الشيخ محمد رفعت كثير البكاء عندما يقرأ القرآن الكريم؟
كان يقرأ على الهواء كل يوم، وعندما افتتحت الإذاعة بدأ من فاتحة الكتاب وبالتسلسل كل يوم على الهواء وكان هذا يمثل مشقة كبيرة على نفسه، فلم يكن هناك تسجيل للصوت بل كانت كل القراءات على الهواء، فطلب من رئيس الإذاعة أن يكون أمامه مصحف آخر بجانب المصحف المتسلسل، كي يأخذ راحة يتناوب عليه المشايخ الذين كانوا موجودين في هذا الوقت.
وكان له طقوس قبل القراءة، فالغرفة التي كان يقرأ فيها القرآن في الإذاعة بالمبنى القديم كانت صغيرة للغاية نصف متر في نصف متر، فكان الشيخ يقرأ على الهواء وليس أمامه جمهور.
والشيخ أبو العينين شعيشع، حكى لي أنه في إحدى المرات كان الشيخ محمد رفعت يقرأ وعندما انتهى وخرج كانت الدموع قد أغرقته لأنه كان يبكي، وظل أبو العينين شعيشع، يطبطب عليه، فكانت دمعته قريبة، وكان من الممكن أن يكبى إذا سمع صوت طفل صغير يبكي أو سمع صوت مميز للكروان وهو يغرد، وعندما كان يقرأ القرآن الكريم كانت دموعه تسقط ووجهه يغرق من الدموع.
هل هناك من قراء جيله من حاوله أن يقلده؟
الشيخ محمد رفعت لديه مدرسة ربانية روحانية ومدرسته لا تعوض، وصعب أن يقلده أحد أو يقترب من مدرسته، وكل المشايخ تم تقليد أصواتهم إلا الشيخ محمد رفعت مستحيل أحد يقترب من هذا الصوت لأنه صوت رباني حباه الله بصوت مميز من عنده، ليس له فيها فضل بل الفضل من الله، ومدرسته مدرسة بلا تلاميذ، وخلال حياته كان هناك من يحاول أن يقلد صوت الشيخ محمد رفعت، لكن لا يستطيع أحد أن يقترب من مدرسته، فكان حالة نادرة ولم يكن يهتم بالنغم كثيرا، ومدرسته مدرسة روحانية وليست نغمية، وكان اتجاهه روحانى ربانى صوفي وهذه هي شخصيته، لذلك كان يعطي الإحساس بالطمأنينة لكل من يستمع له.
هل كان الشيخ محمد رفعت قبل كل قراءة بالإذاعة يجلس منفردا في حجرة ليدرب صوته على الوصول إلى المقامات الموسيقية؟
قبل كل قراءة على الهواء مباشرة كان يتدرب على الصوت، وهذا أمر موجود عند أغلب القراء الذين يفهمون أصول القراءات، فكان دائمًا يغلق الغرفة على نفسه ويدرب صوته، وهذه أشياء فنية، وكان دائما يجلس في غرفته ويدرب نفسه ليصل لأعلى درجة من التميز، وكان متميز في المقامات ولم يكن يشرب سجائر، لذلك حافظ على صوته ليكون بعيدا عن أي شيء يؤثر على جمال صوته.
رسالة من تاجر للشيخ محمد رفعت بخط اليد
كيف كانت علاقة الشيخ محمد رفعت مع زملائه القراء في عصره؟
كان الشيخ محمد رفعت يحترم المشايخ الأكبر منه وهو ما يظهر خلال علاقته بالشيخ على محمود، فعندما كان يلتقيه لم يكن يتعداه في القراءة، بل كان يترك له افتتاح الليلة ويحترم الأصول بين المشايخ، وعلاقته كانت مميزة بأصدقائه ويبجلهم ويحترمهم، بينما زملائه الأصغر منه سنًا كان يشجعهم ويحفزهم.
من أبرز من شجعهم الشيخ محمد رفعت؟
على سبيل المثال الشيخ مصطفى إسماعيل، عندما ذهب الشيخ محمد رفعت في إحدى المرات إلى طنطا لإحياء إحدى الليالي والتقى الشيخ مصطفى إسماعيل وكان ما زال في بداياته، ولم يكونا أصدقاء لأن الشيخ محمد رفعت كان أكبر منه سنًا وسبقه كثيرا في دولة التلاوة، حينها اقترب الشيخ مصطفي من الشيخ محمد رفعت، وسمع صوته وأعطى له الفرصة وعندما انتهى الشيخ مصطفى إسماعيل من التلاوة أثنى عليه وتوقع له مستقبل مميز، ونصحه بأن يحافظ على صوته وعدم شرب سجائر والبعد عن التدخين وشجعه.
وفعل ذلك مع الشيخ أبو العينين شعيشع عندما قدموه للشيخ محمد رفعت وقالوا له إنه يقلدك فرد الشيخ محمد رفعت "بل هو أحسن مني"، وكان هذا دافعا عن الشيخ شعيشع، فكان يشجع المشايخ الصغار ويقف بجانبهم، والشيخ أبو العينين شعيشع، كان يحب جدى كثيرا ويتحدث عنه بشكل رائع ويعتبره أستاذه.
الشيخ محمد رفعت عاش في عصور سياسية هامة وعاصر ثورة 1919 وحزب الوفد ومساعي استقلال مصر.. هل كان الشيخ محمد رفعت له انتماء سياسي أو انضم لأحزاب بعينها؟
الشيخ محمد رفعت لم يكن له أي اهتمامات سياسية، والكاتب محمود السعدني قال إن الشيخ محمد رفعت كان له دورا في ثورة 1919 من خلال التفاف الناس حول صوته مثلما التفوا حول الزعيم سعد زغلول، لكن لم يكن له أي اتجاهات حزبية أو سياسية، بل كان رجلا صوفيا ويدخل خلوته ويعتكف دائما في غرفته ويقرأ القرآن ويقيم أوردة ويصلى على النبي، ولم يكن لديه وقت ليكون له اتجاهات سياسية، بل عاش لخدمة القرآن الكريم، وكان دائما يقول أنا خادم القرآن الكريم، وكان متفرغ تماما له ولإحياء الليالي.
ألم يبحث الشيخ محمد رفعت عن المال من خلال قراءته للقرآن؟
جدي كان يسعد للغاية إذا جاءت له ليلة لقراءة القرآن بدون أجر، وكان يقول: "ربنا يمن عليّ، وكنت أخاف من نفسي لأننى أقول كلام عظيم"، فالقرآن الكريم جاء من عند الله، وفي الذكرى السنوية الأولى للملك فؤاد بعد وفاته، كان الشيخ محمد رفعت مدعو مع عدد من المشايخ، وكان سيذهب للذكرى لولا أن جارته الفقيرة توفيت فظل مع ابنها وأحيا العزاء ولم يذهب لإحياء الذكرى، وهذا الأمر أغضب الملك فاروق وظل لفترة يأخذ موقفًا من الشيخ محمد رفعت، لكن هذا الموقف لم يطول لأنه كان يحب الشيخ محمد رفعت وكان يسعى لإرضائه ويحب سماع صوته خاصة عندما يذهب لقصر عابدين للقراءة في صلاة الجمعة، فكان جدي دائما يحب الليالى التي لا يأخذ فيها أجر.
رغم أن الشيخ محمد رفعت لم يلتحق بالأزهر واكتفى بالكتاب لكن كانت ثقافته واسعة.. كيف كان ذلك؟
الشيخ محمد رفعت سعى لأن يثقف نفسه بنفسه رغم أنه لم يدرس في الأزهر، فثقافته تنبع من حبه لاقتناء الكتب، حيث ترك لنا مكتبة كبيرة للغاية مليئة بالكتب، وأي كتاب يصدر كان يشتريه ويطلب من أولاده أو أصدقائه أن يقرأون له الكتاب، ووالدى قال لى إنه عندما كان صغيرا في سن 9 سنوات كان الشيخ محمد رفعت يطلب منه أن يقرأ كتاب له بجواره وكان يطلب منه قراءة صفحات معينة من الكتاب، وكان يصحح لابنه تشكيل الكلمات خلال القراءة، وخلال قراءة الكتابة كان الشيخ محمد رفعت، يبكى، وكان الشيخ محمد رفعت يحب قراءة كافة الكتب من كافة المجالات وليس في مجال معين.
هل كان يستمع الشيخ محمد رفعت للموسيقى؟
كان يحب سماع الموسيقى الكلاسيك مثل بخ وبيتهوفن وموتسارت، وكان ينظم في منزله كل فترة صالون ثقافي، وكانت فترته مليئة بالأدباء وعلماء الأزهر والموسيقيين والملحنين والمطربين، وكانوا يتجمعون في منزله بينهم الشاعر أحمد رامي، والموسيقار زكريا أحمد، وبديع خيرى، ونجيب الريحانى، وليلى مراد، ووالدها، وكانت ليلى مراد تتعلم مخارج الحروف منه، وكان يحضر أيضا أم كلثوم، والكاتب الصحفى محمد التابعى، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وكل نجوم المجتمع، والشيخ محمد رفعت كان يجيد الإنصات والاستماع ويستفيد من الصالون الثقافي ويتزود بثقافات ومعلومات.
ما قصة الصداقة التي جمعت بين الشيخ محمد رفعت والموسيقار محمد عبد الوهاب؟
علاقتهما كانت صداقة شديدة لدرجة أن الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي قال إنه كان صديق الشيخ محمد رفعت حتى أن يقرأ القرآن، فيتحول لخادم يجلس تحت قدميه، وهو ما يكشف قوة العلاقة بينهما.
ما هي أصعب المراحل في حياة الشيخ محمد رفعت؟
تتحدث هناء حسين، وهي باكية: "أصعب اللحظات على الشيخ رفعت أخر مرة وصفها فكري أباظة، وهي أخر مرة قرأ فيها في مسجد فاضل باشا، عندما بدأ مرض ورم في الحجرة يظهر في نوبات متلاحقة من الزغطة، وفي بداية الأربعينيات، قبل وفاته بـ 8 سنوات توقف عن الذهاب للإذاعة، وعندما كانت تأتى له تلك النوبات كان لا يستطيع القراءة"، واكتفى بالقراءة في المسجد، وقال: "كفاية عليا المسجد.. حبابيي يستروا عليا لو جاءت لي النوبات".
كيف كانت آخر لحظة قرأ فيها الشيخ محمد رفعت القرآن في مسجد فاضل باشا؟
أخر مرة قرأ في مسجد فاضل باشا كانت صعبة للغاية، حيث كل لحظة كانت تأتى له نوبات الزغطة، فكان يخرج من جيبه زجاجة يشرب منها ثم يقرأ آية أو آيتين حتى قهره المرض خلال القراءة، فأجهش بالبكاء، وتحول المسجد إلى مأتم وبكى كل الحاضرين وحملوه وعادوا به إلى منزله، وكانت كسرة بالنسبة له، وكانت هذه آخر مرة يقرأ فيها في المسجد.
رسالة من الإذاعة للشيخ محمد رفعت بخط اليد
عندما مرض الشيخ محمد رفعت كان هناك حملات تبرعات قادها أحمد الصاوي محمد رئيس تحرير الأهرام لعلاجه لكن الشيخ محمد رفعت رفض.. لماذا؟
ذهب أحد الصحفيين بالصدفة لإجراء تحقيق في منزل الشيخ محمد رفعت، ورغم مرضه وهو نائم في السرير، وكان عمى يقرأ له أحد الخطابات، فكان وجهه مبتسمًا ملئ رضا رغم ضعفه ومرضه والدنيا خذلته بالمرض، وأجمل شيء لديه كان قراءة القرآن ولم يعد قادرًا على القراءة، ولكن ظل مبتسما ووجهه ملئ بالرضا، وعلم الصحفى أن جدي مريضا منذ 8 سنوات، وهنا نشر الصحفى الموضوع عن مرض الشيخ رفعت، وأحدث جدلا واسعا وأحبابه في البلدان العربية تضامنوا معه وحدث اكتتاب بمبالغ طائلة، وطلب الكاتب أحمد الصاوى رئيس تحرير جريدة الأهرام، حينها، من أبناء الشيخ رفعت الحضور من أجل الحصول على أموال الاكتتاب، وعندما ذهب أبناء الشيخ محمد رفعت، وجدوا الخطابات قد غطت مكتب رئيس تحرير الأهرام من كثرتها للتبرع للشيخ محمد رفعت وهى تكشف حجم المحبة للشيخ محمد رفعت.
ماذا كان رد فعل الشيخ محمد رفعت حينها؟
الشيخ محمد رفعت حزن وبكى، وقال "خادم القرآن لا يُهان ولا يُدان، رجعوا الأموال للناس التي تستحقها وأنا لا احتاج شيء أنا مستور"، ورفض عروض كثيرة منها عروض من الأمير فيصل - حينها - وكثير من الملوك، وجاءت الأميرة "عين الحياة"، وهي عمة الملك فاروق، بمجوهراتها وعرضتها على الشيخ محمد رفعت، لكنه رفضها كالعادة، وعرضت عليه أموال كثيرة، لكنه كان رجلا زاهدا ولديه عزة نفس ولم يقبل هو أو أولاده هذه الأموال، وظل مستورا لأخر يوم في عمره رغم عدم وجود دخل له لتوقفه عن القراءة.
هل توفى الشيخ محمد رفعت فقرا ولم يستطع علاج نفسه؟
ترد هناء حسين بنبرة مليئة بالغضب: "لقد استفزنى هذا السؤال.. كلماتك صعبة للغاية، هل توفى فقرا ولم يستطع علاج نفسه؟.. ليس الشيخ رفعت من يموت فقرًا بل كله عزة، والقرآن في قلبه، فكيف سيموت فقرا؟.. ولماذا رفض كل الأموال التي جاءت له من كل اتجاه من ملوك وأمراء وأميرات ومحبين؟.. فقد عاش بالقرآن ولخدمة القرآن ومن أجل القرآن وظل زاهدا ولم يقبل أي مساعدة وظل مستورا حتى أخر يوما في حياته، وخلال مرضه لم يكن في هذا الوقت هناك علاج لمرضه ولم يتوصل الطب لعلاج هذا المرض فهذا لا يعنى أنه مات فقرًا.
وما حقيقة رفضه عرضا كبيرا من الهند لقراءة القرآن هناك؟
عُرض على جدي أن يقرأ القرآن في مهرجان المهراجا في عز مجده، وحينها كان يحصل على 100 جنيه مقابل قراءته للقرآن في شهر رمضان، ولكن عُرض عليه إحياء رمضان في الهند بمهرجان المهراجا ووصل المبلغ لأن تكون الليلة بـ100 جنيه، وهي ثروة يستطيع أن يشترى بها 1000 فدان، لكن الشيخ محمد رفعت، رفض أن يترك محبيه في مصر، لأنه لم يكن محبًا للمال أو يرى أن قراءة القرآن وسيلة يرتزق منها بل يأخذ ما يعطيه الله له.
وفي في إحدى الليالي التي كان يحييها، صاحب الليلة أعطى له مليم، والشيخ محمد رفعت أخذه ووضعه في جيبه، ولم يشترط قط مبالغ معينة لإحياء الليالي، وحينها صاحب الليلة الذي أعطاه المليم عندما عرف أنه أخطأ وأعطاه مليمًا بدلا من الجنيه الذهب، توجه له وطلب منه أن يسامحه، لكن الشيخ محمد رفعت رفض أن يحصل على الجنيه الذهب وأصر على المليم.
كيف كان عزاء الشيخ محمد رفعت؟ وهل تبرع أحد القراء بالفعل لإقامة العزاء؟
سرادق العزاء استمر 3 أيام، والناس تواجدت طوال النهار ولم يخلو السرادق من الناس، ولا صحة على الإطلاق بأن أحد القراء تبرع لإقامة العزاء للشيخ محمد رفعت، على حسابه الخاص، هذا ليس صحيحا، ومن يزعم ذلك كان أولى عليه ألا يمن بمثل هذا الفعل، ولكن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، وأنا لدى استياء شديد من البعض الذين يخرجون كل فترة يزعمون أن جدهم هو من تولى الإنفاق على عزاء الشيخ محمد رفعت، وكأنهم يمنون على شخص من أولياء الله الصالحين.
تاريخ ميلاد الشيخ محمد رفعت هو نفس تاريخ وفاته.. كيف ترين هذا الأمر؟
تاريخ وفاته مثل تاريخ ميلاده وهذه قد تكون كرامة من كرامات الله وشيئا جيدا في سيرة الإنسان والله أعلم.
هل بالفعل الإذاعة استعانت بالشيخ أبو العنين شعيشع لتسجيل بعض الأجزاء من القرآن التي لم يستطع الشيخ محمد رفعت تسجيلها لقرب صوت الشيخ شعيشع من صوت الشيخ محمد رفعت؟
تقارب صوت الشيخ أبو العينين شيشع، مع الشيخ محمد رفعت، ليس صحيحا، هو متأثر بصوت الشيخ محمد رفعت، فقط، لكن خامة الصوت مختلفة وطريقة التلاوة مختلفة وهو له شخصية والشيخ محمد رفعت له شخصية، وكان الشيخ أبو العينين شعيشع، يفتخر أنه من تلاميذ الشيخ محمد رفعت، وجدي اعترف بأنه كان من تلاميذه.
ما هي تفاصيل مشروع ترميم تلاوات الشيخ محمد رفعت؟ وما هي الصعوبات التي تواجهونها؟
مشروع ترميم تلاوات الشيخ محمد رفعت بدأ من أولاده، ونحن كأحفاد لدينا محبة لجدنا في قلوبنا وأخذناها رسالة واستكملنا ما خطاه أولاده، وما نسمعه من تلاوة للشيخ محمد رفعت هو نتاج جهود أبنائه في ترميم تلاوة الشيخ محمد رفعت منذ أكثر من 50 عاما، ولكن مع التطور التكنولوجي حاولنا الاستفادة من هذا التقدم، وطرقنا أبواب كثيرة وذهبنا للإذاعة وصوت القاهرة لخدمة تراث جدي، وبحثنا عن أستوديو عالى المستوى لأن كل تسجيلات الشيخ محمد رفعت منزلية وبها أخطاء، واسطوانات زكريا باشا مهران، مدتها 3 دقائق إلا ربع، فهناك حروف وآيات مقطوعة من الأسطوانة، وأولاده استبعدوا ما سجله الشيخ أبو العينين شعيشع، ولجئوا للقص واللزق، وبعد والدي أجريت محاولات كثيرة وربنا كرمنا ومنذ عام ونصف بدأنا ترميم تراث الشيخ محمد رفعت، وهناك ساعات لم يسمعها محبين الشيخ محمد رفعت، والمشروع ما زال قائمًا، وما زالنا نستكمله بالتعاون مع مدينة الإنتاج الإعلامي.
كيف جاء لكم تراث الشيخ محمد رفعت؟
التراث جاء لنا من زينب هانم مبارك زوجة زكريا باشا مهران، فعندما توفى زوجها تواصلت مع والدي وأعمامي وأهدتهم التسجيلات، وزكريا باشا كان له فضل كبير بعد الله أن يصل لنا تراث الشيخ محمد رفعت، لأنه بعد وفاة جدي لم يكن في الإذاعة سوى 3 تسجيلات خارجية، وكان من الممكن أن نحرم من سماع الشيخ محمد رفعت، وهذا ما حدث لشيوخ كثر مثل الشيخ أحمد ندا، وليس لدينا المصحف كامل، ولكن ما تيسر، ويظل قرآن وأذان محمد رفعت علامة مميزة لشهر رمضان.
هل استقبلت عروضًا لتحويل حياة الشيخ محمد رفعت لعمل سينمائي أو درامي؟
نعم استقبلت عروضا كثيرة للغاية ولا زالت تلك العروض قائمة، لكن أرفضها.
لماذا ترفضين الأمر وهناك شيوخ ورموز دينية تحولت حياتهم لعمل درامي مثل الشيخ الشعراوي؟
لا أحبذ تحويل حياة جدي الشيخ محمد رفعت، لعمل درامي أو سينمائي، ولن أساعد في خروج أي عمل درامي أو سينمائي عن حياة جدي، فقط إذا كان عملا وثائقيا سأساعد في ذلك، ولدينا أكبر مثال عائلة الشيخ محمد متولى الشعراوي، التي ندمت على تحويل حياة الشيخ الشعراوى، لعمل درامي، فلا أريد عرض تفاصيل حياته ومعاناته والسنين الأخيرة التي عاشها في معاناة شديدة وفقدانه لصوته وانزوائه عن الحياة الطبيعية، ولن أقبل بأي عمل درامي له مهما كان المقابل المادي، فجدي لم يتاجر بصوته، وأنا لن أتاجر بقصة حياته حتى لو أعطونى مال قارون.
ما هي أبرز أمثلة العروض الخاصة بتحويل حياة الشيخ محمد رفعت إلى عمل درامي؟
عرض علينا الفنان الراحل حسن يوسف بعد انتهاء أدائه لدور الشيخ الشعراوى، وتحدث معي وطلب منى النقاط الأساسية في حياة الشيخ محمد رفعت، ليقوم بأداء شخصيته في مسلسل، وبعد أن كتبت أجزاء من حياة جدي، تراجعت، وتواصلت مع الفنان الراحل واعتذرت له واحترم رفضي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة