بينما كان الرئيس السادات يستعد للانتقال من منزله فى الجيزة إلى «قصر الطاهرة» بالقاهرة، طلبه السفير السوفيتى «فلاديمير فينوجرادوف» للقاء عاجل، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الطريق إلى رمضان»، مضيفا، أنه فى نحو الساعة السابعة مساء الخميس يوم 4 أكتوبر، مثل هذا اليوم، عام 1973، حضر السفير وسلم الرئيس رسالة من «ليونيد بريجنيف» سكرتير الحزب الشيوعى السوفيتى ردا على الرسالة التى أرسلها السادات لها مساء الاثنين، وحملت تنبيها بأن «خرق وقف إطلاق النار مع إسرائيل أصبح أمرا محتملا، وأنه لم يعد فى استطاعتنا تحمل العجرفة الإسرائيلية أكثر من ذلك، وأن الأيام المقبلة ستكون اختبارا حقيقيا وعمليا للمعاهدة السوفيتية المصرية.
يضيف «هيكل»، أنه كما كان متوقعا فإن بريجنيف أكد على أن القرار الخاص بأى عمليات هو قرار يتخذه الرئيس السادات وحده، وأن الاتحاد السوفيتى سيقدم يد العون له كصديق، لكن بريجنيف طلب أيضا أن يسحب المستشارين المدنيين الروس وأسرهم من مصر، ورغم حيرة الرئيس إلا أنه وافق عليه غير راض عنه، وانتهز الفرصة ليؤكد على ضرورة الإسراع فى إرسال بعض المعدات التى طلبتها مصر من الاتحاد السوفيتى.
يضع «هيكل» خطوات السادات فى إطار الاستعداد لتنفيذ خطة الحرب التى تحدد لها يوم السادس من أكتوبر 1973 فى تمام الساعة الثانية بعد الظهر وبالاتفاق مع الرئيس السورى حافظ الأسد اجتماعه مع الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية بدمشق فى اليوم السابق «3 أكتوبر»، ويقول أنه بعد الانتهاء من مقابلة السفير السوفيتى ارتدى السادات زيه العسكرى وانتقل إلى قصر الطاهرة، وعقد اجتماعا أخيرا حضره نواب رئيس الوزراء، ووزيرى الحربية والداخلية وحافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي، واتفق خلاله على إجراء تغييرات جذرية فى اللجان التى ستعاون الرئيس.
يكشف «هيكل»، أنه كانت هناك رسالة من إسماعيل فهمى وزير السياحة «قبل توليه وزارة الخارجية خلفا لمحمد حسن الزيات أثناء الحرب»، وكان موجودا فى العاصمة النمساوية فيينا، يقول فيها إن مستشار النمسا «كرايسكى» طلب منه البقاء لأنه يريد الاجتماع به مرة أخرى ظهر يوم الجمعة «5 أكتوبر»، فهل يبقى أم لا؟ ورد السادات عليه بالبقاء وألا يلغى هذا الاجتماع، حتى لا يتسبب فى إثارة التعليقات.
وفيما يتعلق بالتغيرات فى عمل المجموعات المعاونة للسادات، يذكر هيكل أنها توزعت على نحو: تولى الدكتور عبدالقادر حاتم مسؤولية مجموعة من الوزراء، وتولى سيد مرعى مسئولية الاتصال مع الدول العربية، وعهد إلى الدكتور عزيز صدقى بتولى مسؤولية المنشآت الأمريكية فى الشرق الأوسط، ويؤكد «هيكل»: «كان المأمول أن تتعاون الدول المنتجة للبترول بالضغط على الأمريكيين، فإذا لم تتحقق هذه الآمال فقد يصبح من الضرورى التفكير فى وسائل أخرى لممارسة الضغط».
كان من أهم المسائل التى شغلت السادات خلال ساعات وجوده فى قصر الطاهرة وفقا لـ«هيكل»، رد الزعيم السوفيتى «بريجنيف» عليه وتحديدا فيما يتعلق بمسألة مطلبه بسحب المستشارين الروس المدنيين وأسرهم من مصر، ومنه كان السؤال الرئيسى المطروح: ماذا يعنى ذلك؟ وتتابعت الأسئلة: هل فى ذلك معنى يحمل خشيتهم من نتيجة المعركة؟ هل يعكس بعض جوانب توازن القوى العالمى؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يعنى أن الروس لن يقدموا إليه العون الذى يتوقعه؟
لم يقدم «هيكل» إجابة عن أى من هذه الأسئلة التى شغلت السادات، ويقول: «فى آخر الأمر أوى الرئيس إلى فراشه فى الساعة الرابعة صباحا من يوم الجمعة «5 أكتوبر»، وفى هذه الأثناء تم إغلاق المركز «رقم 10» تماما بالنسبة للعالم الخارجى، فمن دخله لم يسمح له الخروج مطلقا ويؤكد «هيكل»، أن كل الموجودين بالمركز كان على علم بموعد المعركة وأهدافها، ويضيف: «لم ينم أحد من الموجودين فيه وفى المركز رقم 3 لفترة طويلة تلك الليلة، الكل كان يسأل: هل عرف الإسرائيليون؟ وفى نحو التاسعة والنصف صباحا أرسلت طائرتان إسرائيليتان للاستطلاع والتصوير، لكنهما لم تدخلا المجال الجوى المصرى لأن أجهزة كاميراتهما تستطيع التصوير من داخل سيناء، والتقطت القوات المصرية إشارات أجهزة الاستطلاع وأيقنت أن الإسرائيليين لا بد أن يكونوا عرفوا الآن على الأقل بوجود معدات الجسور والعبور الموجودة بالقرب من القناة، كذلك فإنه بدا من غير الممكن أنهم لم يعرفوا أن 6 طائرات من طراز «اليوشن» هبطت بين الساعة السابعة من بعد الظهر لتحمل المستشارين وأسرهم ثم غادرت أرض المطار».
يؤكد «هيكل»: «كان التوتر يزداد ومعه كنت تشاهد القرآن الكريم على العديد من مكاتب الضباط».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة