علاقات قوية ومتينة ضاربة في الجذور، بين مصر وروسيا، تصل إلى حد الشراكة الإستراتيجية في مجالات عدة، سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وأيضاً ثقافية واجتماعية.
من خلال تعاملي لسنوات طويلة مع الروس، اقتربت كثيراً من الملف الروسي، وكبار المسؤولين الروس، وأيضاً المواطنين الروس.. ويمكنني القول إن هناك سمات أساسية تربط العلاقة بين القاهرة وموسكو، منها على المستوى الرسمي، فالبلدين لا تتدخلا في الشؤون السياسية الداخلية لأي دولة أخرى، كما أن بين مصر وروسيا اتفاق منقطع النظير في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، سياسية كانت أو اقتصادية.
أما على المستوى الشعبي، فهناك علاقة خاصة تربط الشعبين المصري والروسي، وهناك ود وحب متبادل بين المواطن المصري ونظيره الروسي، وخير دليل على ذلك هو حسن معاملة المصريين الطيبة لأي مواطن روسي يزور مصر بغرض السياحة، سواء هنا في القاهرة أو في شرم الشيخ والغردقة أو أي مكان آخر على أرض مصر المحروسة.. وهو ما تجلى مؤخراً في انتعاشة الحركة السياحية الوافدة من روسيا خلال الأشهر القليلة الماضية، واستعادة روسيا عرش صدارة الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر كما كانت قبل تداعيات جائحة كورونا واندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، حتى أن نسب امتلاء الطائرات الناقلة للسياح من المدن الروسية إلى مصر وصلت إلى أكثر من 95% من السعة المقعدية المتاحة.
أيضاً هناك "الكاريزما" الخاصة المتميزة، التي تربط بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فكلا الزعيمين لديهما رؤية ثاقبة في مجريات الأمور الدولية والإقليمية، حتى الأوضاع الداخلية في بلديهما، قادران على السيطرة عليها بمنتهى الحسم والحكمة.
من منا لا يتذكر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى روسيا في 13 فبراير عام 2014، حينما كان وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي، والحفاوة الكبيرة التي استقبله بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب نجاح ثورة 30 يونيو المجيدة في سحق خطط الإخوان الشيطانية التي حاكوها لمصر والمنطقة بل وللعالم أيضاً، وكان بوتين أول رئيس يعترف بثورة 30 يونيو.
من منا لا يتذكر "جاكيت النجمة الحمراء" الذي أهداه بوتين للسيسي خلال تلك الزيارة، وهو الجاكيت الخاص بالفريق القومي الروسي في لعبة هوكي الجليد اللعبة الشعبية الأولى في روسيا؛ تعبيراً عن تقدير بوتين الكبير لمكانة الرئيس السيسي، وقدرته على حفظ أمن واستقرار مصر والمنطقة، من مخططات أهل الشر.
تلك الزيارة، التي كانت بداية جديدة لتطوير التعاون العسكري والتقني بين مصر وروسيا، ووقتها أعرب بوتين عن دعمه لترشح الرئيس السيسي لرئاسة مصر، بكل حفاوة وترحاب يرقي لصداقة حقيقية بين الزعيمين السيسي وبوتين.. حتى أن روسيا كانت من أوائل الدول التي زارها الرئيس السيسي بعد توليه مقاليد الحكم؛ لتدعيم أواصر العلاقات بين البلدين في كافة المجالات.
لقد اكتسبت العلاقات المصرية - الروسية قوة دفع قوية جديدة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حتى باتت أكثر تميزاً في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تتسم بعدم الاستقرار.. وارتبطت علاقات القاهرة مع موسكو بالظروف السياسية على المستوى الدولي التي كان لها دور كبير في التقارب المصري – الروسي،،
ونعيش في تلك الأيام أجواء احتفالات مصرية روسية، بمرور 80 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، ومصر من طلائع الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1943.
80 عاماً من العلاقات الراسخة، كان التعاون فيها بين البلدين قوياً جداً، وشمل مختلف المجالات.. ومنذ أيام قليلة، كانت القاهرة وموسكو، على موعد مع ثمرة جديدة من ثمار تعزيز العلاقة بينهما في إطار شراكتهما الإستراتيجية الواسعة، حينما شارك الرئيس السيسي والرئيس بوتين عبر الفيديو كونفرانس، في مراسم صب الخرسانة الخاصة بوضع قواعد المفاعل النووي الرابع والأخير بمحطة الضبعة النووية،،
والشراكة المصرية الروسية في إنشاء محطة الضبعة النووية، امتداد لمسيرة طويلة من التعاون في هذا المجال، أبرزها إنشاء السد العالي ومفاعل مصر البحثي في إنشاص، ناهيك عن تزويد القوات المسلحة المصرية بأسلحة روسية، وإقامة أول منطقة صناعية روسية في محور قناة السويس.. والأرقام تعكس التطور في علاقات البلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا في عام 2023 الماضي، حوالي 3 مليارات دولار.
حِرص الرئيس الروسي بوتين على مشاركته في فعالية الضبعة، واهتمامه بإلقاء كلمة تعكس قوة علاقة روسيا بمصر، كان له دلالات ومعاني كثيرة.. كتأكيد بوتين أن مصر شريك إستراتيجي فعلي لبلاده، والعلاقة بين البلدين مبنية على المساواة والاحترام المتبادل.. وإشارة بوتين إلى أن مصر ستبدأ مرحلة جديدة في المحطات النووية، وستساهم محطة الضبعة كأحد أهم المشروعات بين البلدين، في تطوير الاقتصاد المصري بشكل كبير.
وحينما تحدث بوتين عن مجموعة "البريكس"، وانضمام مصر رسمياً إلى هذه المجموعة اعتباراً من الشهر الجاري، والتي تترأسها روسيا حالياً، أكد الرئيس الروسي على آفاق التعاون الكبيرة بين القاهرة وموسكو تحت مظلة "البريكس"، وبذل بلاده كل ما في وسعها لتصبح مصر فعالة في هذا التحالف العالمي الأقوى اقتصادياً، بعد مجموعة العشرين.
مصر دائماً كبيرة وعظيمة، وستظل.. وحينما يتحدث عنها زعماء العالم وخاصة قادة الدول العظمى، علينا أن ندرك جميعاً أن مصرنا الغالية دولة بحجم الكبار.. دولة تستطيع قيادتها السياسية الوصول بها وبالمنطقة إلى بر الأمان والاستقرار.. دولة قادرة على إبقاء صوتها مسموعاً وفاعلاً في كبرى الأوساط السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية.. حتى ولو كره أهل الشر.. ستبقى مصر دائماً هي صمام أمان منطقة الشرق الأوسط، ونافذة القارة الإفريقية على العالم.. ولو كره الكارهون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة