خلال مناقشات المحور الفكري بمهرجان المسرح العربي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة ببغداد، شاركت الباحثة والمخرجة المصرية د. داليا بسيوني ببحثا حمل عنوان "تجسير المسافة بين المسرح الدرامي والفنون البصرية"، وفجرت الباحثة مفاجأة كبيرة بإثبات أن أصول المسرح بدأت في مصر القديمة، وفقا لأبحاث الفرنسي إيتيان ديوريتون والتي نشرت في بداية القرن العشرين، وأبحاث المصري عمر المعتز بالله، والتي نشرت 2023.
الدكتورة داليا بسيوني دعت في كلمتها صناع وباحثي المسرح العرب للخروج من التبعية للغرب في المناهج والنظريات، والنظر لأصول المسرح في منطقتنا العربية. وقالت أن مسرح الصورة جزء أساسي من أنواع المسرح المختلفة الموجودة منذ مئات السنين في دول كثير مثل مصر القديمة، الهند، واليابان، والصين. لكن معظم ما يتم تدريسه في تاريخ المسرح يركز عادة على المسرح الأوروبي ثم الأمريكي، والمثال الجلي في كتب تاريخ المسرح هو فترة العصور الوسطى، التي يشار إليها عادة كعصور ظلام فيما يتعلق بتطور المسرح، رغم أنها مرحلة ازدهار كبيرة لأنواع مسرحية متعددة مثل المقامات والتعزية في المنطقة العربية، والمسرح الهندي والصيني بأنواعهما الفنية المختلفة، إذ أن معظم كتب تاريخ المسرح التي كتبت في أوروبا وصدرت لباقي العالم، (ومع الأسف تلك التي كتبت في دولنا العربية أيضا) يظهر فيها التأثير الكولونيالي على الأبحاث والمناهج الدراسية التي تستعمر العقول شرقا وجنوبا، عن طريق التركيز على المنتج الأوربي الأمريكي وجعله الأساس الأوحد للأبداع، وتجاهل المنتوج الثقافي لباقي دول العالم. تلك الكتب والأبحاث تجعلنا كعرب نؤكد ونجزم أن المسرح نشأ في اليونان، متجاهلين نصوصا ودلائل أثرية كثيرة تشير لنشأته في مصر القديمة قبل اليونان بقرون.
وأضافت د.داليا بسيوني إن مسرح الصورة ارتبط بالطقس منذ بداياته، في المسرح المصري القديم، مرورا بالمسرح اليوناني، والمسارح الأسيوية والتي استمرت تقاليدها المسرحية وتطورت عبر السنين. من ناحية أخرى فإن جمود المسرح الأوروبي في القرن التاسع عشر جعل بعض صناعه المبتكرين يضيقون بتقاليده، ويسافرون شرقا في القرن العشرين بحثا عن مسرح أكثر طزاجة وتأثيرا. وبينما نستقي في مسرحنا العربي من أنطونين أرتو، ومنهجه المسمى "مسرح القسوة"، يكشف قليل من البحث أن أرتو قد استقى طريقته من المسرح الأسيوي وبالتحديد من بالي، ومن معرفة بالطب الصيني التقليدي. وإن تأملنا مسرح بريخت ونظريته الملحمية يظهر لنا أن بريخت قد ضاق بطريقة تقديم المسرح في زمنه، وتوجه هو أيضا شرقا للمسرح الصيني واستخدم أدواته وأحيانا موضوعاته في مسرحه الملحمي. والمتابع لأعمال المخرج المعاصر روبرت ويلسون شيخ مخرجي مسرح الصورة في الولايات المتحدة يجد تأثير المسرح الأسيوي واضحا في كثير من أعماله، ليس فقط بصريا، ولكن أيضا في الموضوعات واستخدام الصوت والأغاني والملاحم الآسيوية.
وأشارت الباحثة والمخرجة المصرية خلال الندوة الفكرية : كان الطقس جزءا لا يتجزأ من نشأة المسرح المصري القديم، والمسرح اليوناني. واستمرت الطقوس جزءا أصليا من المسرح لفترات طويلة، ينتقل أثناءها الممثلون بين التمثيل والتقمص والحقيقة، فيصبحوا أكثر من مجرد ناقلين للنص، وكأنهم يلعبون دور "الشامان" الذي يساعد المتفرجون في الانتقال من وعي إلى مستوى آخر من الوعي والتلقي. ويعيش جميع أطراف العمل الفني من ممثلين وجمهور حالة شعورية مكثفة، تجعل مشاهدة العمل المسرحي مرور بتجربة روحية، وليست فقط عقلية/عاطفية، تترك أثرا يدوم لفترة بعد انتهاء عملية المشاهدة والمشاركة. بينما استمرت المسارح الشرقية في دول مثل الهند والصين واليابان في تطوير الطقس في المسرح، وأختفى الطقس بشكل كبير من المسرح الأوروبي، وفقد المسرح جزءا كبيرا من سحره عبر الزمن، وصارت كثير من العروض فارغة من الحالة الروحية النقلية التي تؤثر في متلقيها بشكل عميق، وواختزلت العملية المسرحية في القرن الثامن عشر على كلمات يلقيها مؤدون، أحيانا بشكل ميكانيكي، أمام لوحات مكررة مرسومة لديكورات ثابتة، فراح المسرحيون يبحثون عن طرق لإعادة حالة السحر للمسرح، وتوجهوا شرقا لمحاولة تجديد دم المسرح الأوروبي. لذا يجب ألا ننظر غربا بحثا عن حلول مسرحية، لكن نبحث في جذورنا المسرحية الأصيلة.
الباحثة داليا بسيونى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة