عندما تصاعدت وتيرة العمليات الفدائية، في أثناء حرب الاستنزاف، لم يكن أمام العدو سوى أن يستخدم تسليحه الجوي في ظل ضعف المضادات الجوية المصرية في ذلك الوقت، وحتى يتجنب المواجهات المباشرة بين جنوده وأبطالنا الذين لم يكونوا يبخلون بحياتهم مقابل النصر، وحيث ظهرت شجاعة الجندي المصري جلية أمام جبن العدو.
لذلك كانت عملياته ضمن الخطة بريحا التي بدأ في تنفيذها منذ يناير 1970، والتي كان ضمنها قصف مناطق مدنية في الأساس، مثل أبو زعبل ونجع حمادي، ضمن خطة تمثل جريمة في ذاتها انتهت بقصف مدرسة للأطفال في صباح الثامن من أبريل عام 1970 حيث ألقت خمس طائرات من طرازفانتوم خمس قنابل ثقيلة على مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمزكز الحسينية بمحافظة الشرقية فى مصر وقد أدت هذه الجريمة إلى مقتل 30 طفلا وإصابة 50 آخرين وتدمير مبنى المدرسة تماما.
وهي الجريمة التي أدمت قلوب المصريين وقياداتهم وجنودهم، فأصروا على الانتقام بالرد المباشر، فأعد الأبطال لأول كمين نهاري على الجبهة في سيناء، متمركزين على طرق الانتقال الثابتة لدى العدو، في مجموعتين يفصل بينهما أقل من كيلومترين، ومعتمدين على معلومات استطلاعية أمدهم بها عناصر من أبناء سيناء، وقد اشتركت في هذا الكمين مجموعة قتال من اللواء 135 مشاة ومجموعة قتال من الكتيبة 83 صاعقة وقد عبرت هذه القوات ليلا، واحتلت مواقعها لاصطياد مجموعات الجنود الإسرائيليين الذاهبين في إجازات، وهي المجموعات التي تحمي حركتها قوات مقاتلة مكونة من الدبابات والعربات المدرعة.
وعند الظهر، خرجت على طريق القنطرة متجهة إلى جنوب بورفؤاد مجموعة القتال الإسرائيلية، المكونة من أربع دبابات، وأربع عربات مدرعة، وحافلتي ركاب إجازات، وكان على الكمين الأول المكون من عناصر الصاعقة عدم التعرض لها، ويتركها تمر إلى أن تصل إلى الكمين الثاني في منطقة جنوب التينة حيث يفتح عليها أقصى معدلات النيران، وقد جرى تنفيذ ذلك تماما، وأصيبت دبابتان وعربة مدرعة وحافلة، وحاول الجزء المتبقي الهروب والعودة إلى القنطرة ليقع في شراك الكمين الأول، حيث انقضت عناصر الصاعقة لتجهز على ما تبقى من القوة، ليتم قتل 28 جندي من الأعداء، وأسر فردين، وتدمير كل الدبابات والعربات المدرعة، وهي الخسائر التي لم يسبق تحقيقها في يوم واحد من قبل، مما دعا جولدا مائير إلى أن تطلق على هذا اليوم اسم السبت الحزين، كما كانت هي المرة الأولى التي يشاهد فيها جمال عبد الناصر مبتسما منذ يونيو67، حيث إن العملية تمت كما كان مخططا لها دون أي نقص، حتى أن الأبطال قد أسروا فردين وكان المطلوب أسر فرد واحد إن استطاعوا، وهو الأسير الذي حاول الهرب في أثناء طريق العودة، فتصدى له الرقيب خليفة متري ليصارعه دون سلاح، ويسيطر عليه، ويسلمه إلى الملازم محمد التميمي الذي يحمله ويسبح به حيا إلى الضفة الغربية.
وعلى الرغم من القصف الجنوني الذي بدأته قوات العدو على منطقة الكمين، فقد عاد كل أبطالنا أحياء سالمين إلا من إصابتين غير خطيرتين، إحداهما من جراء تطاير شظايا القنابل.
وقد كانت هذه العملية دافعا قويا لإسرائيل لأن تطلب من أمريكا السعي إلى وقف إطلاق النار عن طريق مبادرة روجرز، غير أن الأهم من ذلك أنها كانت برهانا لا يمكن إنكاره أمام العالم كله على بسالة أبنائنا الذين يمكنهم أن يواجهوا الموت ببساطة إذا تعلق الأمر بأمن وكرامة وطنهم.
وللحديث عن ذلك بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة