تأتى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى للهند فى قمة مجموعة العشرين، بالعاصمة نيودلهى، تلبيةً لدعوة من رئيس الوزراء الهندى "ناريندرا مودي" الذى تتولى بلاده الرئاسة الحالية للمجموعة، وتناولت كلمة الرئيس العديد من القضايا المهمة كالتغيرات المناخية وأزمة الطاقة والغذاء وغيرها من الأزمات الدولية والإفريقية، بالإضافة إلى التركيز على الجهود المصرية فى مختلف الملفات للوصول إلى خطوات حاسمة إزاء التحديات التى تحول دون التعافى الاقتصادى وبلوغ التنمية المستدامة، ومن المقرر التركيز خلال أعمال القمة على مختلف الموضوعات التى تهم الدول النامية بوجه عام، والإفريقية على وجه الخصوص، ويأتى ذلك فى ضوء أهمية مشاركة مصر فى القمة التى تُعقد فى ظرف دولى دقيق، وكذلك العلاقات الوثيقة التى تربط بين مصر والهند.
وذكرت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، للباحث بيبر يعقوب، أن التشابه الكبير بين ظروف البلدين يدفع إلى التقارب الشديد مؤخرًا، والذى نتج عنه تعاونًا فريدًا من نوعه، خاصة فى ظل ظهور الكثير من الأزمات العالمية فى الآونة الأخيرة، مما فتح الطريق للكثير من فرص التعاون والتى يستغلها كل من البلدين إلى الآن بأفضل شكل ممكن، لمساندة بعضهما البعض بدلًا من انتظار مساعدات الدول الغربية التى لم تأتِ بالنتيجة المرجوة إلى الآن.
ويعبر حضور مصر، قمة مجموعة العشرين التى تترأسها الهند، عن دلالات الاهتمام الشديد بزيادة التعاون بين البلدين، من جهة، ومن جهة آخرى تأكيد على رؤية الهند لأهمية دور مصر وتأثيرها فى المنطقة وبين الدول النامية والأفريقية، حيث ترى أن حضور مصر للقمة سيكون ضامنًا على نجاح الأهداف المشتركة بينهما وبين كل الدول النامية الأخرى، ومن الواضح أن هذا لن يكون آخر أشكال التقارب والتعاون بين البلدين، بل بالأحرى هو انطلاقة جديدة لأشكال تعاون أشمل وأكبر.
ومن جانب آخر كشف تقرير صادر عن المركز المصرى، للباحثة نسرين الصباحى، الدلالات والمكاسب المُتبادلة لانضمام الاتحاد الأفريقى لمجموعة العشرين التى ستصبح مكونة من 19 دولة + الاتحاد الأوروبي+ الاتحاد الأفريقى، وستُعرف اختصارًا باسم مجموعة (G21)، وما سيترتب على ذلك من التحوّلات الكبرى فى النظام العالمى الجديد، وضرورة تمثيل الصوت الأفريقى فى مؤسسات الحوكمة الدولية، بما فى ذلك مجموعة العشرين، والطموحات الأفريقية بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولى، ومُبادرة تعليق خدمة الديون والإطار المشترك لمعالجة الديون.
وأكد التقرير أن انضمام الاتحاد الأفريقى لمجموعة العشرين نقطة تحوّل فى مسار القارة الأفريقية فى إعادة تشكّيل السياسات العالمية، فى ظل الثقل الاقتصادى والديموغرافى لأفريقيا، وأهمية مشاركتها فى ابتكار نظام مالى عالمى أكثر عدلًا وشموليًا، وإيجاد حلول متعددة الأطراف للتحديات العالمية المُلحّة، وتعزيز مكانة أفريقيا فى السياسة العالمية، وإيجاد حلول شاملة للتنمية العالمية المستدامة، وتعزيز مبادئ الحوكمة العالمية الرشيدة.
وذكرت أن انضمام الاتحاد الأفريقى رسميًا إلى مجموعة العشرين يمثل لحظة محورية فى مشهد الحوكمة الدولية وإعادة تشكّيل السياسات العالمية، وتعزيز مُشاركة أفريقيا فى عمليات صنع القرار بشأن القضايا العالمية، حيث تم اعتماد قرار الانضمام فى فبراير 2023 خلال قمة الاتحاد الأفريقى، برئاسة “ماكى سال”، رئيس السنغال ورئيس الاتحاد الأفريقى آنذاك، وقد سبق ذلك محاولات أفريقية عديدة للانضمام، باعتبار الاتحاد الأفريقى مُمثلًا للاهتمامات الأفريقية الجماعية، وفى الآونة الأخيرة، دعا العديد من القوى العالمية أيضًا إلى انضمام الاتحاد الأفريقى للمجموعة.
وتتمثل دلالات الانضمام بتصاعد مكانة أفريقيا فى مُقاربات القوى الكبرى، التأكيد على دور الهند المتنامى فى أفريقيا فإنه منذ تولى “مودي” رئاسة مجموعة العشرين، تعزيز دور الهند كمُدافع عن مصالح دول الجنوب العالمى ومنها أفريقيا، وهو ما ظهر جليًا فى عقد الهند قمة “صوت الجنوب العالمي” فى يناير 2023، تعزيز قدرة أفريقيا على الانخراط فى حل القضايا العالمية "التغير المناخى وأمن الطاقة"حيث ستمكّن العضوية، الاتحاد الأفريقى من مُعالجة قضية التغير المناخى والتخطيط بشكل كبير لتنفيذ خطط الانتقال العادل للطاقة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، من أجل الوصول إلى صافى صفر من انبعاثات الكربون، وجعل القارة الأفريقية خضراء مستدامة.
وفى هذا الصدد، تحتاج أفريقيا إلى خطة انتقالية قابلة للتطبيق فى مجال الطاقة، وستساعد مجموعة العشرين فى حصولها على الدعم العالمى من شركاء المناخ الدوليين، وعقد شراكات بين معاهد أبحاث سياسات الطاقة فى أفريقيا وأوروبا لإدارة إزالة الكربون فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة والكهرباء والنقل فى أفريقيا، بالإضافة إلى مساهمات المؤسسات المالية الدولية بالتعاون مع أعضاء مجموعة العشرين لتحوّيل تمويل طاقة الوقود الأحفورى إلى دعم المصادر المتجددة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح فى أفريقيا.
وأكدت الدراسة أن انضمام الاتحاد الأفريقى لمجموعة العشرين يعد بمثابة فائدة مزدوجة للجانبين، فى ظل تشابك تأثيرات القضايا الاقتصادية العالمية، وتحديدًا على الدول الأكثر فقرًا فى أفريقيا، مع اتساع المفارقة الأفريقية فى ظل امتلاك الدول الأفريقية العديد من الموارد المعدنية والبشرية، فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها الشباب البالغ 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، لتشكيل ربع سكان العالم، وتضم أكبر منطقة للتجارة الحرة فى العالم، فى حين تعد مجموعة العشرين المنصة الرئيسية متعددة الأطراف للتعاون الاقتصادى والمالى العالمى.
وفى السياق ذاته تتمثل المكاسب المُتبادلة فى استفادة مجموعة العشرين من موارد القارة الأفريقية، فى ظل ما تمتلكه من موارد تعزز من الاقتصاد العالمى، فضلًا عن الموارد الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبشكلٍ خاصٍ فى جنوب أفريقيا والمغرب الرائدتين فى مجال الطاقة المستدامة، وتمتلك أفريقيا كذلك الموارد الأساسية اللازمة لتكنولوجيا الطاقة المستدامة والتحوّل الأخضر وتجعل هذه العوامل من أفريقيا لاعبًا حاسمًا فى تحقيق أهداف مجموعة العشرين، مع امتلاك القارة 60% من أصول الطاقة المتجددة على مستوى العالم وأكثر من 30% من المعادن الأساسية للتكنولوجيات المتجددة والمنخفضة الكربون.
علاوة على تعزيز بنية الاقتصاد العالمى والتحوّل الرقمي: حيث يلعب الاتحاد الأفريقى دورًا كبيرًا فى هيكل التجارة العالمية مقارنةً بالسنوات السابقة منذ قيام منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) التى دمجت اقتصادات القارة فى سوق واحدة منذ يناير 2021، ويُصنف الاتحاد الأفريقى على أنه ثامن أكبر كتلة اقتصادية فى العالم، على هذا النحو، فإن إدراجه فى مجموعة العشرين أمر بالغ الأهمية لتعزيز الحلول الهيكلية التى تعود بالنفع على القارة بأكملها.
ومن ناحيةٍ أخرى، تستفيد مجموعة العشرين من خلال المقومات الأفريقية بشأن بنود جدول أعمال المجموعة الرئيسة مثل المدفوعات الرقمية، حيث تعد دولة كينيا أول من بدأ بنظام المدفوعات المحلية الرقمية من خلال مخطط (M-Pesa) المتقدم، والتى توسعّت لتشمل دولًا مثل جنوب أفريقيا، ومصر، وغانا، وتنزانيا، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليسوتو، كما سيساهم ذلك النجاح فى توحيد الصوت الأفريقى بشأن أجندة واضحة لإصلاح البنية المالية العالمية: فى ضوء تسارع الأزمات المُتشابكة بما فى ذلك، التغير المناخى، وانعدام الأمن الغذائى والطاقة، وحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة، وتفاقم الصراعات الداخلية، مع نقص التمويل، حيث لا يغطى النظام المالى الدولى سوى حصة صغيرة من احتياجات التنمية المستدامة فى أفريقيا، والتى تُقدر بنحو 1.3 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030.
ونوه التقرير إلى أن الانضمام سيكون له أثر للمساهمة فى تشكّيل أجندة تنمية عالمية متوافقة مع الأجندة القارية (2063): وتسعى الدول الإفريقية من أجل تعبئة وحشد التمويل الخارجى للتكيف مع التغير المناخى، والانتقال العادل للطاقة، وتطوير البنية التحتية، والاستفادة أيضًا من تعزيز العلاقات مع الشركاء التقليديين، وعلاقاتها الاقتصادية المتنامية مع مجموعة البريكس لزيادة تدفقات تمويل التنمية، مؤكدا أنه قد أولت مجموعة العشرين اهتمامًا متزايدًا للشواغل الأفريقية والقضايا العالمية ذات الصلة بأفريقيا، وفى الآونة الأخيرة، سعت إلى مساعدة الدول المنخفضة الدخل والمثقلة بالديون فى جميع أنحاء العالم، وشملت الدول الأفريقية من خلال تغطية لقاح كوفيد-19.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة