كانت معركة الجزيرة الخضراء – 20 يوليو 1969- إحدى البطولات المهمة التي أثبتت قدرة الجندي المصري على التضحية بحياته من أجل الدفاع عن أرضه، كما أنها كانت إحدى الوقائع المهمة التي استطاع بها هذا الجندي إثبات قدرته العسكرية واسترداد الثقة بعد يونيو 1967.
تقع هذه الجزيرة في خليج السويس على بعد 4 كيلومترات جنوب مدينة السويس ومدخل قناة السويس، وهي عبارة عن سلسلة من المخابئ الخرسانية المشيدة فوق جدار بحري يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، ويبلغ طولها 145 مترا، وعرضها 50 مترا، وقد كانت محصنة تحصينا قويا، كما تألفت حاميتها العسكرية من حوالي سبعين من جنود المشاة المصريين بالإضافة إلى مائة من ضباط جنود سلاح الإشارة، تحت قيادة العميد مجدي بشارة، وبها أربعة عشر موقعا نصبت فيه مدافع مضادة للطائرات، وتقع الجزيرة والمنطقة المحيطة بها في مرمى المدفعية الإسرائيلية والمصرية الموجودة على سواحل الخليج في جهتيه، بما يجعل منها موقعا استراتيجيا مهما للغاية، حيث يتحكم القابع عليها في مدخل قناة السويس، ويستطيع بسهولة إصابة عمق الأراضي السيناوية كما يستطيع بالقدر نفسه تهديد عمق السويس.
وعلى الرغم من أن تدمير مواقع الرادار للإنذار المبكر ومواقع الإشارة المصرية كان هدفا مستمرا لإسرائيل خلال هذه الفترة من حرب الاستنزاف، فقد كان هدف إسرائيل من محاولة احتلال هذه الجزيرة هو الرغبة في توجيه رسالة إلى مصر بقدرتها على التدمير الفعلي للأهداف العسكرية، بالإضافة إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي، حاييم بارليف ووزير الدفاع موشيه ديان، حاولا إظهار القدرة على تهديد أي موقع مصري، مهما كانت قوة تحصيناته، خاصة بعد العمليات التي قام بها الأبطال المصريون واستطاعوا بث الرعب في نفوس جنود العدو، وموقع الجزيرة الخضراء يحقق الهدفين.
كان من الممكن شن الهجوم على الجزيرة الخضراء بسهولة أكبر باستخدام المدفعية أو الطائرات الإسرائيلية التي ستقلل من الخسائر في الأرواح في الجيش الإسرائيلي، لكن الإسرائيليون رأوا أن غارة تقوم بها قواتهم الخاصة ستوجه رسالة واضحة، أملوا منها أن يكون لها تأثير سلبي على معنويات القوات المصرية.
هاجم الجزيرة قوة كبيرة مكونة مما يقرب من تسعمائة ضابط وجندي عن طريق البحر والجو، واستبسل المصريون بعددهم القليل في الدفاع طالبين المدد الذي أتاهم من قيادة الجيش الثالث، وكان منهم من يخترق الحصار الإسرائيلي البحري الذي طوق الجزيرة، ومن هؤلاء البطل إبراهيم الرفاعي.
بلغت الخسائر الإسرائيلية أكثر من 60 قتيلا، وأكثر من 100 مصاب، بالإضافة إلى إغراق عدد من الزوارق الإسرائيلية، والعديد من غنائم الأسلحة بخلاف الخسارة الجوية، أما على الجانب المصري فبلغ عدد الشهداء 16، بخلاف إصابة 24، مع الحفاظ على الجزيرة تحت السيادة المصرية، وقد حصل الضباط المصريون على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى، والجنود على نوط الشجاعة من الدرجة الثانية.
لم يكن لصد الهجوم أثره العسكري فقط، بل كان الأثر المعنوي هو الأهم، فقد كانت تلك الملحمة مواجهة مباشرة بين جنود العدو، وبين الجنود المصريين، الذين أظهروا شجاعة جعلت وسائل الإعلام المعادية تلقبهم بالجيش المسعور، نظرا لما أظهروه من فدائية خاصة في معارك المواجهة المباشرة.
إن كل هذه البطولات ما زالت في حاجة إلى الكشف عن تفاصيلها على نطاق شعبي واسع، لتكون جزءا من حكايات تاريخنا الحديث التي يجب علينا أن نغرسها ثابتة في نفوس أبنائنا لتصير جزءا من تعريفهم لذواتهم، وهويتهم ووطنهم.
وما زال للحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة