إسحاق نيوتن.. أحد أكثر العلماء تأثيرًا فى التاريخ، ساعدت مساهماته فى مجالات الفيزياء والرياضيات وعلم الفلك والكيمياء فى بدء الثورة العلمية، وفى مثل هذا اليوم 5 يوليو من عام 1687 نشرت الجمعية الملكية البريطانية للعلوم نظرية الجاذبية الأرضية التي توصل إليها عالم الفيزياء الإنجليزي إسحاق نيوتن، ولكن ما نستعرضه خلال السطور المقبلة، هى بدايات نيوتن قبل تصنيفه كأبرز عالم رياضيات في العالم.
كان تعليم نيوتن في البداية تعليم طالب جامعي عادي بكامبريدج، وكان مطالبًا بقراءة قدر معتبر من الأدب اللاهوتي والأرسطي المقرر قراءته. وربما تكون محاضرات بارو في الرياضيات في ربيع عام 1664 هي ما أثارت اهتمامه بالرياضيات الجادة، ودون نيوتن فيما بعد أنه قد قرأ كتاب ويليام أوتريد "دليل الرياضيات" وكتاب ديكارت "الهندسة" تقريبًا في الفترة التي بدأ فيها بارو نشاطه في إلقاء المحاضرات. وفي شتاء عام 1664 ـ 1665 درس الرياضيات التحليلية لديكارت عن كثب (والتعليقات الواردة في نسخته من كتاب "الهندسة" والتي كتبها عالم الرياضيات الهولندي فرانز فان شوتن)، وأعمال فرانسوا فييت في الجبر، و"طريقة الكليات" لجون واليس. وباستخدام ما نطلق عليه الهندسة التنسيقية الديكارتية، أتقن المعادلات التي عرَّفت القطوع المخروطية المتنوعة (الدوائر، والقطوع المكافئة، والقطوع الناقصة، والقطوع الزائدة). وعلى الرغم من أنه استهان في البداية بإنجاز إقليدس في كتابه «العناصر»، فقد احترم الإنجازات القديمة لإقليدس وأبولونيوس فيما بعد، متخذًا منهجهما القالب المعياري للأعمال الرياضية، كما ذكر كتاب "نيوتن: مقدمة قصيرة جدًّا"، لروب أيلف، وترجمة شيماء طه الريدي.
قرب نهاية عام 1664، اكتشف نيوتن كيفية قياس "التواء" أو درجة انحدار أي منحنى عند أية نقطة، وقد عرف ذلك باسم "إشكالية المماسات"، وطُورت على يد علماء رياضيات أمثال جيمس جريجوري ورينيه فرانسوا دي سلوز، وسرعان ما بنى نيوتن على منهج صاغه ديكارت أمكن من خلاله تحديد الخط المتعامد على منحنى ما "أي الخط المتعامد على المماسات" عن طريق إيجاد نصف قطر ميل دائرة كبيرة عند نقطة تماسها مع المنحنى.
فأخذ نيوتن "الخطوط المتعامدة" بين نقطتين قريبتين، مما سمح للمسافة بينهما بأن تصبح صغيرة اعتباطًا، حينئذٍ استطاع أن يوجد خط التماس لأي نقطة من خلال معادلات "تعبر" عن أي قطع مخروطى، وكذلك الحد الأقصى والحد الأدنى للمعادلات ذات الصلة، وقام بتعميم الإجراء ليعبر عن العناصر الأساسية لما نطلق عليه التفاضل، والذي يمثل من خلاله ميل المماس معدل التغيير الذي يطرأ على منحنى ما عند أي نقطة، حسب كتاب "نيوتن: مقدمة قصيرة جدًّا"، لروب أيلف، وترجمة شيماء طه الريدي.
مع بداية شتاء عام 1663 ـ 1664 كان نيوتن قد شرع في قراءة تحليل واليس للطرق التي يمكن من خلالها إيجاد المساحات أسفل أجزاء أي منحنى بتقسيم المساحة إلى أجزاء متناهية الصغر. وفي الوقت الذي نشر فيه واليس كتابه "حساب الكميات متناهية الصغر" في عام 1655، كان معروفًا أنه للمعادلات الأساسية، فإن المساحة أسفل المنحنى بين صفر والنقطة هي، وقد عرف ذلك ﺑ "التربيع"، وكان هذا هو الشكل البدائي لما نطلق عليه الآن التكامل، وكانت هناك معادلات أكثر تعقيدًا تطلبت أساليب مختلفة مثل استخدام المتسلسلة اللامتناهية، التي أتاحت التقريب لقيمة نهائية مع وصول متسلسلة من الحدود إلى حد معين. وقد طور واليس هذه الفكرة بتربيع القطع الزائد والقطع المكافئ، واكتشاف سلسلة من الحدود والتي تقترب من القيمة .
قرأ نيوتن أعمال واليس بعناية في شتاء 1664 ـ 1665 وقدم تقنيات بديلة لتحقيق نفس النتائج، وسرعان ما قام بتنقيح تقنية واليس من أجل التفكير في تربيعات المنحنيات في إطار القوى العشرية "بمعنى إدخال الجذر التربيعي والتكعيبي والجذور الأخرى"، وتجاوز ما وصل إليه واليس بإيجاد المتسلسلة الصحيحة لتربيع الدائرة، ونتيجة لتوسيع نطاق الرؤى المكتسبة من هذا النجاح، توصل أخيرًا لاكتشاف النظرية ذات الحدين المعممة "أي للقوى الصحيحة والعشرية" من أجل توسيع نطاق أي معادلة على الشكل ، والتي أعلن عنها للمرة الأولى في خطاب إلى لايبنتز في عام 1676.
في أوائل عام 1665، أدرك نيوتن بوجه عام أن تقنيات المماسات والتربيعات هي عمليات معكوسة، بمعنى أنه كان لديه النظرية الأساسية للتفاضل والتكامل. ومع أواخر عام 1665، وفيما قد يعد تقليدًا لبارو، كان عادةً ما يتعامل مع المنحنيات كنقاط تنقش خطوطًا في فراغ افتراضي تحت ظروف معينة، وأشار إلى "السرعات" التي تتعرض لها النقاط في لحظات معينة من الوقت. وكان هذا هو ما أطلق عليه التفاضل والتكامل "المنساب"، لأن قيم النقاط على المنحنى "تنساب" من نقطة إلى التي تليها، وحينئذٍ صار بالإمكان التعامل مع المساحات أسفل المنحنيات ليس كمجرد مجموعات من الأجزاء متناهية الصغر، ولكن كمساحات تتشكل "حركيًّا" من خلال تقدير الفراغ الذي تمر عبره خطوط تربط نقطة متحركة بقيم مماثلة تقع أسفل النقطة المتواجدة على المحور السيني مباشرة، وقد رتب معظم هذا العمل العبقري منهجيًّا في مقال رائع صدر في أكتوبر من عام 1666 وكان عبارة عن أطروحة صنفته أبرز عالم رياضيات في العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة