تحديات كبرى ، ومحاولات لمد جسور ثقة شهدتها القمة الروسية ـ الأفريقية التى استضافتها مدينة سان بطرسبرج الخميس، وتختتم فاعليتها مساء الجمعة، فى وقت يعانى فيه الاقتصاد العالمى من قيود ممتدة فى ظل ارتفاع مستمر لمؤشرات التضخم عالميا، وارتباك حركة التجارة على الصعيدين الإقليمى والدولى، ما كان له أثراً بالغاً على الأسواق الافريقية والاقتصاديات الناشئة.
وتحمل القمة الثانية من نوعها رسائل هامة، حيث تأتى بعد عام ونصف العام من الأزمة الأوكرانية، والتى التزمت خلالها الدولة المصرية وغالبية الدول الأفريقية الحياد التام، وتمسكت بالحرص التاريخى على وجود نظام عالمى قائم على تعدد الأقطاب، يدير ملفاته وأزماته عبر الدبلوماسية والحوار.
القمة التى شارك بها الرئيس عبدالفتاح السيسى بجانب ممثلين لـ49 دولة، هى النسخة الثانية من نوعها، وتضم من بين الحضور رؤساء مفوضية الاتحاد الإفريقى والبنك الإفريقى للاستيراد والتصدير وعدد من التجمعات الاقتصادية الإقليمية، وذلك بعد أربع سنوات من انعقاد القمة الأولى فى مدينة سوتشى الروسية.
ويعد المنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقى منصة للحوار المباشر بين الشركات والحكومات وممثلى مختلف القطاعات فى روسيا وإفريقيا.
وسبقت منتدى بطرسبرج سلسلة من الزيارات والاتصالات المتبادلة على مستوى القادة والمسؤولين فى روسيا ودول إفريقيا، أبرزها زيارات وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، إلى دول القارة السمراء.
وحرص الرئيس الروسى فلادمير بوتين على توجيه رسائل ذات طابع اقتصادى فى مستهل كلمته خلال افتتاح أعمال القمة، حيث قال إن موسكو مستعدة لتقديم الحبوب لـ6 دول إفريقية دون مقابل خلال الأشهر المقبلة ، لافتاً إلى أن بلاده من أوائل الدول التى دعمت أفريقيا فى جائحة كورونا وتوابعها.
وتابع بوتين خلال كلمته: روسيا مستعدة فى الأشهر الثلاثة إلى الأربعة المقبلة، لتزويد بوركينا فاسو وزيمبابوى ومالى والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا بما يتراوح بين 25 و50 ألف طن من الحبوب مجانًا، كما سنوفر توصيلًا مجانيًا لهذه المنتجات للمستهلك".
وقال بوتين خلال الكلمة إن الغرب استغل اتفاق الحبوب للحصول على احتياجاته وحرم الدول الفقيرة من حقوقها ، لافتاً إلى أن حصة روسيا من الحبوب بلغت 156 مليون طن العام الماضي، متوقعا محصولا قياسيا من الحبوب هذا العام.
واستعرض الرئيس الروسى مجالات التعاون بين روسيا والدول الأفريقية ، حيث تم إنشاء 30 مشروع طاقة فى 16 دولة أفريقية بإجمالى 3.7 جيجاوات، مؤكدا إلى أن روسيا تعمل على تعميق التعاون الصناعى بين موسكو ودول أفريقيا، مشيرا إلى تعزيز الاتصالات متعددة النواحى مع المؤسسات الأفريقية.
واستشهد بوتين بإنشاء منطقة صناعية روسية فى قناة السويس، ولفت إلى أنها ستساهم فى تصدير البضائع والمنتجات لكل الدول الإفريقية، فى المستقبل.
وأضاف أن روسيا أنشأت مشروعات طاقة فى أفريقيا بإجمالى 4.6 جيجاوات، مضيفا أن روسيا تعمل على تعزيز التعاون فى مجال الطاقة بأفريقيا، مشيرا إلى أن روسيا تساعد البلدان التى تحتاج إلى المساعدات الإنسانية.
بدوره ، وصف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي، روسيا بـ"الشريك المميز لأفريقيا فى مجال تأهيل الكوادر العلمية"، معرباً خلال كلمته عن الامتنان لدور موسكو فى دعم القارة السمراء للتخلص من الاستعمار ومساندة الدول الأفريقية فى مجلس الأمن.
وأضاف فقى خلال كلمته: "لا ننسى الدعم الدائم من روسيا لمكافحة الاستعمار والفصل العنصري، والدعم الذى تحظى به أفريقيا من روسيا فى مجلس الأمن"، معربا عن أمله أن تتطور الشراكة الروسية الأفريقية.
وتحرص مصر والدول الأفريقية خلال مشاركتها فى تلك القمة مع الجانب الروسى على وضع روشتة لوقف نزيف الاقتصاد على صعيد القارة فى ظل تعثر امدادات الغذاء واضطراب أسواق الطاقة إقليمياً وعالميا. وفى إطار برنامج أعمال القمة والمنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقي، ناقش المشاركون فى القمة سبل تعزيز العلاقات بين الجانبين فى حقبة تشهد العديد من التغيرات العالمية على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن المقرر استكمال النقاشات اليوم الجمعة من قبل القادة وممثلو الوزارات المعنية فى روسيا الاتحادية ورجال الأعمال الروس والأفارقة وخبراء فى مجال العلاقات الدولية، للوقوف على التحديات التى تواجه روسيا ودول إفريقيا.
ويتضمن برنامج الاعمال الخاص بالمنتدى 4 محاول تشمل كافة مجالات العلاقات بين روسيا والقارة السمراء ، وبمقدمتها اقتصاد العالم الجديد ، الأمن المتكامل والتنمية السيادية، والتعاون فى العلوم والتكنولوجيا، والمجال الإنسانى والاجتماعي: معا من أجل نوعية حياة جديدة.
وفى هذا الشأن، قال أنطون كوبياكوف مستشار رئيس روسيا الاتحادية والسكرتير التنفيذى للمؤسسة المنظمة للجنة التحضير للفعاليات وعقدها فى إطار قمة روسيا وإفريقيا، إن المنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقى الثانى سيصبح منصة فريدة للحوار المباشر بين رجال الأعمال والحكومة وممثلى المجتمعات الإبداعية والثقافية فى روسيا وإفريقيا.
وأضاف أن أحد الأحداث الرئيسية لمسار "اقتصاد العالم الجديد" ستكون حلقة نقاش بعنوان "ممارسة الأعمال التجارية فى إفريقيا: المخاطر والظروف والفرص"، وسيتطرق المتحدثون إلى موضوعات توسيع التعاون التجارى بين روسيا والدول الإفريقية وإمكانات التصدير لمواجهة التحديات الجديدة، وكذلك البرامج والمشاريع التى يتم تنفيذها اليوم فى إفريقيا، وسيحضر المناقشة نائب المدير العام لمجموعة تسيفرا "Tsifra" ميخائيل أرونسون، والمدير العامل لشركة "نورد جولد" جيورجى سميرنوف وآخرون، وسيدير الجلسة رئيس الاتحاد الروسى للصناعيين ورجل الأعمال ألكسندر شوخين.
وتابع: "سيكون الحدث الرئيسى لمسار "الأمن المتكامل والتنمية السيادية" حلقة نقاشية بعنوان "روسيا وإفريقيا: الشراكة من أجل السيادة الغذائية"، حيث إن إفريقيا هى المنطقة الأكثر تأثرا بانعدام الأمن الغذائى فى العالم، وسيتم النظر فى كيف يمكن لروسيا أن تساعد إفريقيا على تطوير البنية التحتية الزراعية، وكيف تحافظ على الإمدادات المستمرة من الأسمدة المعدنية والآلات الزراعية الروسية وتزيل المخاطر السياسية عند دفع ثمن وارداتها".
وأردف: "سيتم الرد- خلال هذه الحلقة النقاشية- على هذه الأسئلة من قبل المتحدثين، وسيشارك فى المناقشة رئيس الرابطة الروسية لمنتجى الأسمدة أندريه جوريف، ورئيس الاتحاد الصناعى "الكومنولث الجديد" كونستانتين بابكين وآخرون، وسيدير المناقشة السفير المتجول بوزارة خارجية روسيا الاتحادية أوليج أوزيروف.
كما سيتم بحث مشاكل الانتقال إلى التنمية السيادية الكاملة فى حلقة النقاش بعنوان "النظام العالمى الجديد: من تراث الاستعمار إلى السيادة والتنمية"، والتى ستعقد كجزء من "المجال الإنسانى والاجتماعي: معا من أجل نوعية جديدة للحياة"، وستدير المناقشة مديرة معهد الدراسات الإفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية إيرينا أبراموفا، وسيحضر المناقشة مدير معهد التاريخ العالمى التابع لأكاديمية العلوم الروسية ميخائيل ليبكين، ومدير عام معهد البحوث الاقتصادية فى مجال الابتكار بجامعة (تسوان) التقنية راسيجان مهراج وآخرون.
وسيتم الكشف عن إمكانات التعاون بين روسيا والدول الإفريقية فى مجال الحلول التكنولوجية المتقدمة من قبل المتحدثين فى جلسة "التقنيات المتقدمة للتنمية المستدامة فى إفريقيا"، والتى ستعقد كجزء من مسار "التعاون فى العلوم والتكنولوجيا"، وسيدير أندرى ماسلوف مدير مركز الدراسات الإفريقية فى الجامعة الوطنية للبحوث التابع للمدرسة العليا للاقتصاد، حلقة النقاش، وسيحضر المناقشة النائب الأول لوزير الطاقة فى روسيا الاتحادية بافيل سوروكين.
بالإضافة إلى ذلك، سيستضيف المنتدى الاقتصادى والإنسانى الروسى الإفريقى منتدى إعلاميا ومؤتمر عمداء الجامعات ومائدة مستديرة، بمشاركة مؤسسات التدقيق العليا فى روسيا والدول الإفريقية وفعاليات فى إطار برنامج الشباب.
وتأتى القمة الروسية الإفريقية ضمن العديد من المحافل التى تجمع إفريقيا بدول العالم مثل القمة الأمريكية الإفريقية، وقمة فرنسا إفريقيا، ومنتدى الصين إفريقيا، ومنتدى اليابان إفريقيا المعروف باسم "تيكاد".
وتشمل أعمال المنتدى هذا العام أربعة محاور: الاقتصاد العالمى الجديد، والذى سيركز على توسيع نطاق التعاون فى مجال الأعمال بين روسيا والبلدان الإفريقية، والأمن، وسيتطرق إلى كيفية استفادة البلدان الإفريقية من الخيرة الروسية فى مجال ضمان الأمن، والعلوم والتكنولوجيا، ويتضمن التعاون الصناعى باعتباره وسيلة نحو تحقيق السيادة التكنولوجية وتوفير التكنولوجيا المتقدمة اللازمة للإسهام فى تحقيق التنمية المستدامة فى إفريقيا، وسيتضمن هذا المحور جلسات خاصة بالتكنولوجيا النووية والرقمية والتكنولوجيا فى قطاع الرعاية الصحية، أما المحور الرابع والأخير القضايا الإنسانية والاجتماعية، وتتضمن التعاون فى قطاعات التعليم والثقافة والرياضة وتمكين المرأة و الشباب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة