على ساحل البلطيق في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، تختلط نسائم البحر العليل بعبق العصور الوسطى، في هدوء، وتزدان برشفات شاي "كومبوتاس" الليتواني، والتلذذ بـ"سيبليناي" الطبق الوطني في هذا البلد.
ففي ليتوانيا، تلك الدولة الواقعة على أبواب روسيا، وإحدى دول البلطيق الثلاث التي عاشت تحت الحكم السوفيتي لعقود وكانت من بين أولى دول الناتو التي أرسلت أسلحة إلى كييف بعد العملية العسكرية الروسية، احتضنت عاصمتها، اليوم الثلاثاء، وعلى مدار يومين متتاليين، القمة السنوية للناتو.
وفيما يجتمع قادة الناتو، تحت حراسة ألمانية من أنظمة صواريخ باتريوت، وطائرات مقاتلة فرنسية، هبطت طائرة "يوم القيامة" الأمريكية من طراز "بوينغ 747- إي4 بي" في فيلنيوس قبل بدء قمة الناتو، لتفرض حمايتها هي الأخرى على الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار قادة البنتاجون.
وبحسب بيانات خدمة "فلايت رادار24"، فقد "أقلعت الطائرة من مدينة كامب سبرينجز في ولاية ماريلاند، في اليوم السابق، حيث توجد قاعدة أندروز العسكرية".
والطائرة تابعة للبحرية الأمريكية وهي نسخة معدلة من طائرة "بوينغ 747" الطويلة المدى، ويتم استخدام "دوومس داي" (يوم القيامة) كمقر قيادة احتياطي متنقل للبنتاغون في حالة نشوب حرب نووية. وهي جاهزة للطيران على مدار 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع.
وتتصدر أوكرانيا جدول أعمال قادة حليف شمال الأطلسي، حيث من المقرر أن تناقش الدول الأعضاء المزيد من المساعدات العسكرية والدعم السياسي لكييف التي تطمح بحلم أكبر من السلاح، وهو العيش في كنف الحلف.
ورغم تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، بأن قادة الدول الأعضاء في الناتو، سيوجّهون خلال لقائهم رسالة "واضحة" و"إيجابية" إلى أوكرانيا حول انضمامها إلى الحلف، فإن أعضاء آخرون في الحلف ما زالوا يتخوفون من هذه الخطوة، تحسبا لجر الحلف إلى نزاع أكبر.
لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، فهم الرسالة على ما يبدو، مكتفيا بإشارة واحدة، وهو ما ترجمته تصريحاته التي أدلى بها عشية اللقاء: "أوكرانيا تستحق أن تكون في التحالف... ليس الآن لأن هناك حربا جارية، لكننا في حاجة إلى إشارة واضحة".
وفي تعزيز للتحالف سبق لقاء اليوم، تخلت تركيا عن معارضتها لعضوية ستوكهولم في الناتو عشية القمة ، مما مهد الطريق لإدراج السويد في نهاية المطاف كدولة تحمل رقم 32 في الكتلة.
ويعد استكمال انضمام السويد إلى الناتو خطوة تاريخية تفيد أمن جميع حلفاء الناتو في هذا الوقت الحرج.
وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج في وقت مبكر من اليوم الثلاثاء: "هذه القمة تاريخية بالفعل قبل أن تبدأ".
وبحسب ما أعلن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان للصحفيين، اليوم، سيلتقي بايدن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة، ويرى مراقبون أن قمة فيلنيوس، من المفترض أن تكون استعراضا للوحدة الغربية ضد روسيا، لكن هناك انقسامات بين الحلفاء بشأن ترشيح أوكرانيا لعضوية الناتو ، فضلا عن بعض المعارضة لقرار الولايات المتحدة بتزويد كييف ذخائر عنقودية مثيرة للجدل.
وعشية القمة، قال الرئيس الأمريكي إنه لا يوجد اتفاق لمنح كييف عضوية في التحالف، فيما تحتدم الحرب مع روسيا لأن من شأن ذلك أن يجر الناتو مباشرة إلى الصراع.
لكن البيت الأبيض، أعلن، الثلاثاء، أن الناتو سيعرض مسارا يتيح في نهاية المطاف انضمام أوكرانيا إلى صفوفه، دون تحديد "جدول زمني" لذلك.
رئيس ليتوانيا جيتاناس ناوسيدا، شدد من جهته، على أن بند الدفاع المشترك الذي تنص عليه المادة الخامسة للناتو "يمكن أن يوفر ضمانات أمنية حقيقية من شأنها ردع روسيا عن أي عدوان في المستقبل".
من هنا كانت العملية العسكرية الروسية التي انطلقت في 24 فبراير 2022، اندفع الناتو إلى أكبر عمليات إصلاح لدفاعاته منذ نهاية الحرب الباردة، حيث يفترض أن توقع الدول الأعضاء في القمة، خططا إقليمية جديدة للحماية من أي هجوم روسي محتمل والموافقة على تعزيز أهداف الإنفاق الدفاعي.
وهو ما ترجمته تصريحات رئيس وزراء لاتفيا كريسيانيس كارينس "على جانبنا من السياج، علينا أن نواصل الاستعداد وأن نبقي أعيننا مفتوحة".
في المقابل، هناك من يعتقد أن السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو ما زال خطوة بعيدة جدا في الوقت الحالي.
ولكن تصاعد الحديث من ألمانيا ودول أخرى عن تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، إضافة لإمكانية إنشاء مجلس الناتو أوكرانيا كبديل عن ضم كييف للحلف كعضو.
وفي اليوم الأول من قمة حلف شمال الأطلسي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، أن بلاده ستسلم أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى طراز "سكالب".
وقال ماكرون لدى وصوله إلى مكان انعقاد القمة في فيلينوس: "قررنا أن نسلم أوكرانيا صواريخ جديدة تتيح (تنفيذ) ضربات في العمق"، مضيفاً: "أعتقد أن ما هو مهم اليوم بالنسبة إلينا هو توجيه رسالة دعم لأوكرانيا، وأن حلف شمال الأطلسي موحد"، وفق فرانس برس.
من جهتها أفادت مصادر حكومية ألمانية، الثلاثاء، أن برلين ستقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة تناهز 700 مليون يورو.
وكانت مصادر حكومية ألمانية قد أكدت الاثنين أن برلين ستعلن حزمة "كبرى" من المساعدات العسكرية لكييف لمناسبة قمة الأطلسي التي تستمر يومين.
وألمانيا هي ثاني مساهم على صعيد المساعدات العسكرية لكييف بعد الولايات المتحدة. وسبق أن أعلنت في 13 مايو الفائت، عشية زيارة قام بها الرئيس فولوديمير زيلينسكي لبرلين، تسليم شحنات أسلحة بقيمة 2.7 مليار يورو.
في الأطار وبعدما دفع الغزو الروسي الحلف إلى مراجعة شاملة لأنظمته الدفاعية على جبهته الشرقية، فقد تعهد أعضاء الناتو في عام 2014 بزيادة الحد الأدنى للإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني بحلول عام 2024.
وحققت 8 دول فقط من أصل 31 دولة هذا الهدف حتى الآن، هي الولايات المتحدة وبولندا وليتوانيا ولاتفيا والمملكة المتحدة وإستونيا واليونان.
في حين أعرب ستولتنبرج خلال زيارة لواشنطن الشهر الماضي، عن أنه يتوقع أن يوافق الحلفاء على أن هدف 2% يجب أن يكون الحد الأدنى، موضحا أن الحلفاء سيتعهدون باجتماعاتهم باستثمار دفاعي أكبر يقارب ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا في الدفاع.
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، اليوم الثلاثاء، خطط فرنسا تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، "قرار خاطئ محفوف بالعواقب على كييف".
وقال بيسكوف للصحفيين، إن "قرار فرنسا نقل صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا سيجبر روسيا على اتخاذ إجراءات للرد"، مؤكدا أن القرار الفرنسي لن يؤثر على مسار العملية العسكرية الخاصة.
وأضاف: "بالطبع، لا تزال هناك حاجة إلى توضيح وتحديد عن أي مدى يدور الحديث، ومن وجهة نظرنا، هذا قرار خاطئ له عواقب على الجانب الأوكراني، لأنه سيجبرنا بطبيعة الحال على اتخاذ تدابير للرد".
وتابع بيسكوف: " مرة أخرى، نكرر التأكيد على النهج المبدئي إزاء مثل هذه القرارات، فهذه القرارات لا يمكن أن تؤثر على مسار الأحداث في إطار العملية العسكرية الخاصة، يمكن فقط زيادة العبء على نظام كييف".
ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن قمة "الناتو" اليوم، ستكون متوقعة كالعادة "في أسوأ تقاليد التلاعب الغربي".
وأوضحت زاخاروفا قائلة "كالعادة لا شيء جديد هنا، من الواضح ما سيحدث، كما هو الحال دائما في أسوأ تقاليد التلاعب الغربي.. سيتم العرض، وسيتحدثون خلاله عن مهمة خاصة لحماية الديمقراطية والحرية، ويتعهدون بتزويدهم بالسلاح".
في سياق متصل، لن تغيب الصين عن المحادثات، خصوصا أن قادة الناتو كانوا حذروا مراراً من احتمال تكرار السيناريو الأوكراني في تايوان.
وبناء على ذلك، اعتقد مدير مبادرة الأمن عبر الأطلسي مع المجلس الأطلسي كريستوفر سكالوبا الأسبوع الماضي، أن الناتو يتطلع إلى معرفة كيف يعمل الاستثمار الصيني في أوروبا على تعزيز مخاوف الأمن القومي.
وتساءل في تصريح عما إذا كانت الصين تستثمر في ميناء يوما، فهل يمكن لحلف الناتو بطريقة ما أن يعيق الحركة العسكرية عبر هذا الميناء في أزمة؟
وأضاف أن محاولة فهم أفضل وربط أفضل للولايات المتحدة وحلفائها عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ هو جزء كبير مما يحاول الحلفاء القيام به هذا الأسبوع في فيلنيوس.
ومن جانبها، تشعر اليابان بقلق متزايد بشأن الأنشطة العسكرية الصينية في المنطقة لاسيما حول جزر بحر الصين الشرقي المتنازع عليها، وتعمل الصين على زيادة قواتها البحرية والجوية في مناطق بالقرب من اليابان، بينما تدعي أن جزر سينكاكو، وهي سلسلة جزر غير مأهولة بالسكان تسيطر عليها اليابان في بحر الصين الشرقي، تقع ضمن أراضيها السيادية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة