بالتأكيد يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسى أنه أنقذ مصر من السيناريو الغامض والأسود للإخوان المسلمين من خلال موقفه الجسور فى ثورة 30 من يونيو، تلك الثورة المجيدة التى سطرت خلالها جماهير الشعب بإرادتها الأبية ملحمة خالدة للحفاظ على هوية الوطن، وبرهنت بعزيمتها القوية على أن الشعوب حينما تنتفض لا يمكن أن يقف أمامها عائق، فبعد عام وثلاثة أيام فقط قضاها فى الحكم، أنهى الشعب حكم محمد مرسي، وكانت "السيسي" هو بمثابة طوق النجاة الذى أنقذ مصر من ضياع مقدراتها، حيث ارتكب الإخوانى المعزول محمد مرسى خلال هذا العام أخطاء فادحة أنهت العلاقة بينه والشعب فى هذه المدة الزمنية الضائعة من عمر الوطن.
فشل مرسى فى مجال السياسة الخارجية، من خلال الزيارات المتعددة شرقا وغربا فى فتح آفاق التعاون البناء بين مصر ودول عديدة فى العالم، وبات واضحا أن علاقات مصر الخارجية تقزمت فى دول بعينها، تدعم حكم تنظيم الإخوان الإرهابى فى مصر، كما رسخ حكم الإخوان على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وبدلا من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض، وبرزت الأزمات الرامية إلى تشتيت جهود الأمن والحد من اكتمال البناء الأمني.
الثابت أنها الجماعة الإرهابية ارتكبت جريمة لا تغتفر فى حق الشعب المصري، مع بداية حكمها، وهى الإفراج عن سجناء إرهابيين استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة متطرفة تستمد العون من قيادات الجماعة الإرهابية، ومن ثم استدعى الأمر تفجير ثورة 30 يونيو بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتتميز عن الثورة السابقة عليها بأمرين؛ أولهما: أنه كان لديها برنامج وطنى كبير للانطلاق بمصر من واقعها بين الدول (النامية) إلى مكان يليق بها بين الدول المتقدمة، ثانيهما: أنها جاءت نتيجة تغيرات فى المواقف الشعبية من حكم الإخوان وتابعيهم، فقد أشعلت بالمنطقة كلها ردود فعل مشابهة لما جرى فى مصر بما فيها النزعة إلى الإصلاح العميق فى الساحات الداخلية، وظهرت آثار ذلك على البيئة الإقليمية خلال السنوات التالية.
عبر ثورة 30 يونيو فـى مصر تحققـت أهداف مهمة، أولهـا: أن مرحلة (تثبيت) أركان الدولة قد نجحت وفى خلال فترة زمنية معقولة بعد فترة من الفوران والإرهاب، ثانيها: أن الدولة نجحت فى أن تحافظ على معدلات معقولة من النمو حتى بعد أن ألمت بالعالم جائحة عصفـت بالاقتصاد العالمي، ثالثها: أن مصر من الناحية (الجيوسياسية) فـى إقليمها قد حققت نجاحات لا يمكـن تجاهلها فى الأقليم الصعب الذى نعيش فيه، خاصة فى ليبيا والسـودان وغزة، لقد تحقق خلال السنوات العشر الماضية الكثير من البرنامج المصرى للتغيير الذى تجسد فيما عرف بـ (رؤية مصر 2030).
وكان أهم هذه الرؤية: تغيير الخريطة أو الجغرافيا التنموية المصرية من التمحور حول نهر النيل الذى اعتمدت مصر عليه آلاف السنين إلى البحار الواسعة ماء وضفافا محيطة بالدولة، واتساع هذه النقلة التاريخية من النهر إلى البحر، حيث جرى اختراق الأراضى المصرية من سيناء إلى الصحراء الغربية، حيث إقامة مدن جديدة وإنشاء الأنفاق والطرق والكبارى لتأكيد ارتباط البلاد ببعضها بعضا، ثم إدارة الثروة وليس الفقر، حيث درجت الدولة المصرية خلال العقود الماضية على سياسات اقتصادية تمنع التراكم الرأسمالي، وتركز على محاولة حماية الفقراء، لكن ثـورة 30 يونيو عملت علـى تنمية (الثروة) وتعظيم مزايا مصر التنافسية إزاء العالم الخارجى فـى السلع والبضائع والخدمات والتكنولوجيا الجديدة.
ومن هنا أرى أن ثورة 30 يونيو سعت وفق برنامج محدد نحو زيادة الصادرات، فكانت التنمية من أجل التصدير جنبا إلى جنب مع سياسة الإحلال محل الواردات، هذا يعنى التركيز على "السوفت وير" بلغة أهل الكمبيوتر الذى يكفل التشغيل والفاعلية لكل ما سبق من خلال مراجعة التشريعات وتحسين السياسات الخاصة بالصحة والتعليم والثقافة، وإحاطة كل ذلك باستراتيجية لرقمنة الدولة تكفل لها سلامة قراراتها وتحسين أدائها، ودخولها إلى العالم المعاصر بتطوراته الذهلة على مستوى التطور التكنولوجى الهائل.
ولعلنا نلاحظ أن من هم مخرجات ثورة 30 يونيو، أنها أكدت على أن عناصر القوة المصرية ليست (صلبة) فقط من القوة العسكرية إلى القوة الاقتصادية، ولكنها قوة ناعمة أيضا متمثلة فى تاريخها وجغرافيتها وفكرها وأعمالها وفنونها وأدبها ومتاحفها، وتلك لايماثلها وجود فـى دول المنطقة الأخرى، علاوة على إشعال شرارة تجديد الفكر المصري، سواء كان دينيا أو مدنيا لكى يكون تقدميا يأخذ مصر إلى الإمام وليس إلى الخلف كما فعل الإخوان من مماراسات ضيقة فى فترة حكمهم القصيرة، بل قادت روح 30 يونيو مصر نحو مستقبل مشرق وليس إلى ماض مظلم بحسب التصورات الإخوانية القاصرة.
ومن أهم نتائج ثورة 30 يونيو الكبرى، كانت الإعلان عـن مولد للجمهورية الثانية الجديدة فى مصر التى دشنها الرئيس السيسى قبل سنتين، وذلك بإنشاء العاصمة الإدارية وربما هذا الأمر تحديدا يمثل الاستمرار التاريخى لثورة 30 يونيو 2013، بل هى تعد نقطة فارقة علااتها الاستدامة وتحقيق نقلات كيفية فى الواقع المصرى المعاصر، وهو ما رافق حلم المشروع الوطنى المصرى لبناء دولة مدنية حديثة ترسى قواعد ديمقراطية بحسب تصور الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ بواكير شبابه؛ إذ كان يوقن أن مصر قادرة على النهوض، وثقته الكبيرة فى أن تصعد إلى مكان الصدارة بين أمم الدنيا، أو على حد تعبيره "مصر أم الدنيا، وهتبقى قد الدنيا.
نعم كان الرئيس على ثقة بأن شعب مصر يستطيع تحقيق حلم النهوض من جديد، فقط لو توافرت له (قيادة فكرية ملهمة رشيدة)، ومن هنا امتلك "السيسي" دراية واسعة بحكم قراءاته المتعمقة، ومنه على وجه الخصوص تاريخ مصر الحديث والمعاصر وتجارب الأمم، بعوامل صعود وانكسار الدولة المصرية الحديثة الأولى التى أسسها (محمد علي)، والدولة المصرية الحديثة الثانية التى أسسها "جمال عبدالناصر"، وفى هذا الصدد درس "السيسي" مبكرا أسباب تقويض المشروع الوطنى المصري، سواء الأول أو الثاني، وخرج بدروس مستفادة، أبرزها الحد من مخاطر التمدد الزائد دون التحسب للظروف الإقليمية والدولية غير المواتية، وكذلك الانجراف إلى المكائد والسقوط فى مصائد كارثية، دون تبصر، وإدراك لما يحاك ضد الوطن من دسائس ومؤامرات الداخل والخارج.
تلك الدروس كانت نصب عينى "السيسي" وهو يحلم لبلاده بدولة حديثة متقدمة، ويأمل أن تتحول مصر إلى قوة عظمى إقليمية، قادرة على رفع معيشة شعبها، والدفاع عن مقدرات الوطن وسلامة أراضيه، وحماية مصالحه الحيوية، فـى إطار حدوده الجيوسياسية التى تمتد إلى ما هو أوسع من حدوده السياسية، وظنى أنه قد توافرت "للسيسي" خبرات أوسع حينما تولى منصب مدير المخابرات الحربية، وأتيحت له أدق المعلومات عن الأوضاع الداخلية للبلاد والعباد فى مختلف المجالات، ومن ثم تنبأ مبكرا بحدوث انتفاضة غضب فى البلاد، وسطر توقعاته المبنية على رؤية شاملة لأوضاع مصر السياسية والاقتصادية الاجتماعية فى مصر فى نهاية العقد الأول من القرن الواحد وعشرين.
تلك الرؤية الحكيمة سلمها "السيسي" للقائد العام للقوات المسلحة المشير طنطاوى فى شهر أبريل 2010 تتضمن تقدير موقف يخلص فيه إلى توقع خروج الجماهير فى انتفاضة ثورية فى غضون عام، وهو ما أشار فيه إلى ضرورة نزول الجيش دون إطلاق رصاصة واحدة على أحد من أبناء الشـعب المصري، وهو ما جرى فعلا فى أحداث 25 يناير 2011، حيث تضافرت المعلومات التى توافرت "للسيسي" عن التهديدات الداخلية والخارجية للوطن والتحديات التى تجابهه فى أعقاب أحداث يناير، مع إلمامه بمكونات النخبة السياسية والفكريـة والإعلامية، عبر لقاءات ممتدة عقدها مع ممثلين للنخبة، لتتكون أمامه صورة متكاملة بكل ألوانها وظلالها عن الدولة المصرية، والتوجهات المحتملة للسلطة والحكم فى البلاد عند انتهاء المرحلة الانتقالية الأولى فى 30 يونيو 2012، بانتخاب الدكتور "محمـد مرسى العياط"، قطب جماعة الإخوان رئيسا للجمهورية، لتستحوذ جماعة الإخوان على كل أركان السلطة متمثلة فى الرئاسة والحكومة والبرلمان.
والتاريخ بالتاريخ يذكر: ففى عام حكم جماعة الإخوان تحول أمل الدولة المصرية الحديثة إلى سراب فى ظل حالات من الإقصاء انتهجته تلك الجماعة لمكونات الطبقة السياسية والصفوة المثقفة، وعصف بالدسـتور، وقمع للجماهير، وسياسات مضطربة تكشف عـن غيبة الرؤية وانعدام للخبرة، وتدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية، ولهذا تضمنت رؤية السيسى الكاملة للنهوض بالبلاد فـى مختلف المجالات، والمشـروعات التى ينوى تنفيذها لو فاز بالانتخابات محددة بالتفاصيل والتوقيتات الزمنية والمواقع ومصادر التمويل.
ربما لم يشأ "السيسي" الإعلان عن ذلك البرنامج الذى يحوى مشروعه الوطنى لبناء الدولة الحديثة فى ظل ظروف أمنية معقدة كانت تمر بها البلاد، وتهديدات خارجية تحيط بها، ولعله أيضا كان يحسب أن الطموحات العالية التى يتضمنها مشروع "الأمل المصري" ربما تندهش لها الجماهير، وتظن أنها غير ممكنة التحقق برغم تطلعاتها الواسعة وثقتها فى قيادة "السيسي" الذى تنظر إليه كبطل شعبي، وحينما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي، المسئولية، يوم 8 يونيو 2014، كان أمامه أولوية أولى تسبق الشروع فى تنفيذ مشروعه الوطنى لبناء دولة حديثة، هى بقاء الدولة المصرية نفسها التى تداعـت ركائزها والتى انهارت مفاصلها وبعض مؤسساتها فى ظل حكم جماعة الإخوان الإرهابية، والدفاع عن وجودها فى خضم حرب ضروس مع الإرهاب الإخوانى فى الوادي، ومع المليشيات المسلحة التــى تنتمى إلى جماعات ولدت من رحم جماعة الإخوان فى شمال سيناء.
قبل عشر سنوات من الآن ياسادة كانت الدولة المصرية حينئذ "شبه دولة" - على حد تعبير الرئيس "السيسي" - أو بالضرورة كانت بقايا دولة، إذ كانت مؤسسات الدولة متداعية وتحتاج إلى إعادة بناء، فعناصر القوة الشاملة للدولة قد تراجعت فى قدراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية باستثناء القدرة العسكرية التى تفاقمها السعى الحثيث للأيدولوجيات الحاكمة لتغيير الهوية المصرية، ومحاربة نهج الوطنية المصرية، وتعديل ثوابت السياسة الخارجية التـى ارتضاهـا الشعب المصرى فى محيطيه العربى والإقليمي.
والآن ونحن نحتفل بمرور عشر سنوات على الحلم المصرى فـى ثورة 30 30 يونيو لابد لنا أن نقدم تحية تقدير واحترام وإعزاز لبطل هذه الثورة المجيدة الرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الضرورة ومخلص الدولة المصرية من السيناريو الأسود الذى كاد يطيح بالبلد للخروج من بوابة التاريخ عندما انصاع لمطالب الشعب، وأنفذت إرادته فى بيان الثالث من يوليو 2013 الذى انعقدت عليه إرادة ممثلى فئات الشعب فى اجتماعهم بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة، فى ذلك اليوم كتب السيسى تاريخا جديدا لمصر بزوال نظام حكم الإخوان إلى الأبد.
ومن ثم عمل الرئيس السيسى على إعادة تقديم مصر للعالم بعد تراجع هيبتها ومكانتها الدولية، عبر حجم ضخم من العمل والإنجازات التى أصبحت واقعا على الأرض الآن فى كافة المجالات، عبر مشروعات ضخمـة وواسعة للارتقاء بالبنية الأساسية والتوسع العمرانى وإنشاء قاعدة للبناء الصناعي، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات التى توفر فرص عمل وتزيد من الناتج القومى المصرى لتحسين مستوى معيشة المواطن المصرى والوصول بسفينة الوطن إلى بر الأمان.. فتحية تقدير واحترام لسيادته ونحن نحتفل بمرور 10 سنوات على 30 يونيو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة