أتعجب كل عام وأحيانًا يصيبني الاشمئزاز، حينما أرى شغف وقيام بعض الحجاج بالتقاط صورًا لهم من داخل الأماكن المقدسة ورفعها مباشرة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي في نفس توقيت تأدية مناسك الفريضة، رغبة في جمع اللايكات وإرضاءً لهوس الشير الملعون.
يزيد تعجبي وغضبي معًا عندما يتجه عقلي إلى التفكير في هذه التصرفات التي أرى أنها سلبية وخطيرة للغاية، وقد تعصف بصاحبها وما يقوم به من عملية غسيل روحي للذنوب في أطهر بقاع الأرض على الإطلاق، وما أذكره وأضعه في محل البحث والتحليل، يكشف لي أن طلب الإعجابات واللايكات لن يلبي إلا رغبة نفسية عند صاحب الفعل، في حين تؤكد هذه الرغبة في الغالب وجود نقص في أحد الجوانب الشخصية لصاحبها.
ما يجعلني أكتب هذه السطور على استحياء، ما شاهدته على مدار الأيام الماضية من تصرفات لا تليق من ضيوف الرحمن في بيت الرحمن.. تصرفات لم نشاهدها إلا في عصر الفضاء الإلكتروني وهذا الواقع الافتراضي الذي يأكل منا الأخضر واليابس، ويسحب من تحت أقدامنا كل ما هو جيد في هذه الحياة، فلك أن تتخيل إقبال أحد الحجاج على فتح بث مباشر وهو يرمي الجمرات، وكأن إبليس الذي يعاقبه بـ 49 حصاة يقف بجانبه ويشير له بهذا الفعل الذي لا يصدر إلا عن تصرف شيطاني.
علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، فكيف لإنسان يذهب إلى هذا المكان الطاهر ويُقدم على هذه الأفعال السلبية؟ وكيف لضيف من ضيوف الرحمن قُدِّرَ له أن يتواجد في هذه البقعة الطيبة ويفكر في أي شيء آخر من ملاهي الدنيا؟ فالاغتسال بالروحانيات العظيمة أكبر مما نتطلع إليه ومما يفكر فيه العقل البشري، كيف لشخص أن يرى من أمامه الكعبة الشريفة وحِجْر إسماعيل والحجر الأسود وجبل عرفات والمسجد النبوي وغيره من الأماكن طيبة الذكر، أن يُفكر في إخراج هاتفه ويوثق ما يقوم به على صفحاته، توثيقا لا يسمن ولا يغني جوع.
لا مانع من التقاط صورًا تذكارية في هذه الأماكن المقدسة تخليدا لذكرى الرحلة العظيمة وفي كل مكان بها، لكن لا تجعل أيها الحاج هذه الأفعال كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فليس هناك حرج من إخراج هاتفك لتوثيق كل ما مررت به، لكن اجعل ذلك في نهاية رحلتك وبعد التقرب من الله بما يكفي، كونها فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى، أما إذا أردت القيام بذلك بهدف التربح من المواقع الافتراضي فهذا شأن آخر.. عافانا الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة