نسخة افتراضية.. قصة قصيرة لـ مروة مجدى

الإثنين، 26 يونيو 2023 05:00 ص
نسخة افتراضية.. قصة قصيرة لـ مروة مجدى مروة مجدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استيقظ من نومه فى الصباح الباكر مثلما يفعل كل يوم؛ ليلحق بعمله فى الموعد المحدد كما اعتاد أن يفعل منذ عشر سنوات، فيتواجد بالشركة من الثامنة صباحا ويغادرها فى الرابعة عصرا، وفى طريق عودته إلى البيت يشترى ما يحتاجه لإعداد غداءه المفضل، الذى يتناوله وحيدا مثلما يفعل كل شيء بمفرده منذ وفاة أمه قرابة خمس سنوات، أما الساعات المتبقية من اليوم تكون بصحبة هاتفه الذى يقبض عليه ويظل عالقاً به، حتى يغلبه النوم؛ فيجد سلواه وهو يتابع حسابه الافتراضى وينغمس فى الحدث الدائر المهيمن على الآفاق، ثم يكتب تعليقاً وليدا للحظة اندفاعه وتأثره بالحدث ظنا منه بأنه سيحل الصراع على يديه، متناسيا أنها معارك وهمية وسرعان ما ستنتهى خلال ساعات قليلة، يتناقش مع أصدقائه (الافتراضيين) مترقبا علامات التفاعل المحدودة على منشوره، لكن ثمة شيء يرضيه وكأنه أتم مهامه اليومية وعليه أن يرتاح مستعداً لليوم الجديد، لكنه ليس بجديد فهو يوم مكرر بجدارة.
 
حتى تجلت (هي) فى عالمه (الافتراضي) فكانت بمثابة الندى المتناثر فى رحاب السأم الذى يحياه فى أيامه المكررة، فكانت تحادثه كتابياً وتشيد بفلسفته ومنطقه الذى يغازل عقلها، قال لنفسه بالتأكيد هى من أبحث عنها اقتربت على الانتهاء من العقد الثالث ولم أنجذب لمثلها، هى حقا غيرهن عقلانية ولطيفة وحنونة، مابينتا أكبر من الصداقة والحب فبم يزيد العشق عم يدور بيننا من تلاقى العقول والأفكار بعيدا عن حضور الجسد، تلك الكتلة الصماء من اللحم فلا يعدو دوره إثارة الغرائز، ولكن الحب الأصيل هو ما تم بيننا من وراء حجاب، هاربين من التأثير المادى إلى رحاب الروح والعقل، فيكفينى اتطلع الى ابتسامتها الصافية من صورتها التى تثير كل ما اندثر فى فى القلوب، لا ينقصنا الآن سوى اللقاء اليوم، وأظن أنه لن يغير شيئا من هذا الثراء.

(هي)

يبدأ يومها فى السادسة صباحا تصلى الفجر وتستعد للخروج متجهة الى روضة الأطفال التى تعمل بها وتظل هناك حتى الثالثة عصراً، ثم تلحق بأسرتها الصغيرة المبهجة التى تنسيها عناء اليوم، أب وأم لا يكفان عن الضحك والأحاديث الشيقة لاسيما الأب فتراه حنونا ذكياً مما جعلها ترى كل الرجال من دونه نواقص، تعلم أن لا أحد يشبهه وتعلم أيضا أن ليس لديها رفاهية الانتظار بدون زواج، أتمت الخامسة والثلاثين على غفلة منها، حاولت الرضا بمن يأتون ولكن لم يطاوعها عقلها فتقرر الانسحاب كل مرة، حتى وجدته على حسابها (الافتراضي) جذبها هدوؤه وحلمه وتصوره للأنثى والكون وكل الموجودات، ارتاحت لحديثها معه الذى يطول لساعات وتذكرت الأخير الذى أتت به الجارة فلم تتحمل حديثه نصف ساعة، فقالت سيحسم لقاءنا اليوم تلك الأحلام الهنية.
 
سبقته إلى المكان المحدد وانزوت فى ركن هاديء من المطعم، فتحت حسابها الافتراضى وأخذت تطالع المحادثات الكتابية منذ اليوم الأول، فهى الذكرى الوحيدة بينهما ويتخللها صوره العديدة التى يرسلها إليها وهو فى البيت والشركة والسوق وأى مكان يتواجد به، أخذت تدقق فى الصور رأته هادئا وديعا نحيف الوجه والقامة شعره بنى مجعد، ابيض الوجه فقالت يبدو وسيما، ولكن لم تشغلنى ملامح الشريك من قبل، ولم يكن فى خيالى من هو أفضل منه.. يا إلهى يبدو أن الحلم أوشك على التحقق.
 
وقعت عيناها عليه منذ دخل المطعم حتى وصل طاولتها رحب كل منهما بالآخر، وتبادلا كلمات قليلة لا تعدو مدح المكان والطقس والشمس والهواء وكل شيء سواهما بدأ الملل يتسرب إلى جلستهما حتى تحول إلى وحش كاسر، فانزوى كل منهما إلى نفسه يحدثها فقالت هاهو أمامى يمشى يترنح بالضغط على إحدى قدميه، أما الملامح كما هى ولكنها تخلو من البريق الذى أخذنى ليال طويلة، ربما خطفه التعرق الزائد على جبينه، والارتباك الذى شمله من اول اللقاء، وماذا عم شعرت به من قبل ألم يكن حبا فكيف نعرف أننا وقعنا فى الحب دون أن يدق القلب ولو مرة واحدة، دون ترتيب مجهز، فهل يجهز للوقوع سلفا،؟! فكيف يسمى وقوعا إذا ؟! 

هو

ها هى أمامك كم تمنيت تلك اللحظات متى وأين ذهب التمني، فلا تختلف عن الصورة فأرى وجهها البشوش الخمرى تزينه ابتسامة خجولة، ولكن يبدو جسدها أكثر امتلاء وقامتها أقصر قليلاً، ولكن ليس هذا ما خطف انبهارى واختلس أحلامى! 
 
طال الوقت ولم ينتابنا أى رغبة فى البقاء، كانت أمنيتى أن يأتينا التناغم مع الوقت، لكنه أبدآ لم يأت حتى تضاءلت رغبتى بأن يأتى مطلقا، قررنا المغادرة فى الوقت ذاته، مشينا متجاورين فبدا فرق طول القامة واضحاً ملحوظاً لم ندركه من قبل، رغم أن الصور فى العالم الافتراضى قالت كل شيء، ولكن يبدو أن ثمة أمر غامض لا تقدر على قوله الصور والأحاديث المنمقة، شيء سحرى غير ملموس، يعجز عن تفسيره الجميع ويكشفه اللقاء، ربما هو سر الوجود يعلن عنه الحضور وحده، فهل ثمة لغة للجسد مثل لغة العقل لابد أن تحدث وتتناغم مسبقاً ثم يأتى المنطق بعدها أو لا يأتى لا يهم!
 
فهل للأجساد رائحة يتعرفون عليها فيم بينهم فتتنافر أو تتجاذب على إثرها الأرواح!!
يحاربنى عقلى ويسألنى ويسألها الآن، وماذا عم شعرنا به قبل اللقاء؟! ربما كان حبا أيضاً ولكنه حب افتراضى مثل حسابى الافتراضى ليس له وجود.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة