أمران مثيران طرحتهما الجلسة الحوارية التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان أفلام السعودية بعنوان "السينما الخليجية"، أولهما: أن الجلسة التي شارك فيها المخرج والمنتج البحريني بسام الزوادي، المخرجة السعودية هناء العمير (رئيسة جمعية السينما)، الكاتب والناقد العراقي عرفان رشيد، بإدارة مها سلطان، تأت ضمن الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي المعنونة بـ"السينما الوطنية"، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، إذ يعتبر الموضوع شديد الأهمية والارتباط بالأهداف التي يبتغيها الملتقى بما يشكله كفضاء مفتوح على حوارات ونقاشات تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما.
كما أتصور أن اختيار التركيز على "السينما الوطنية"، يعد نوعًا من الدعم لمرحلة مهمة تمر بها السينما السعودية وهي في طور التشكيل، والتحرك بخطوات جادة لتأسيس سينما ذات هوية خاصة، إذ يقدم نظرة كاشفة على السينما الوطنية داخل الحدود وخارجها مع سينمائيين: صناع وباحثين وخبراء مثل كاي ديكنسون، أستاذ دراسات السينما والتلفاز في جامعة جلاسكو، سريا ميترا، الأستاذ المشارك في قسم الاتصال الجماهيري بالجامعة الأمريكية في الشارقة، عبد الرحمن الغنام، الأستاذ المساعد في دراسات السينما والإعلام بجامعة الملك فيصل، أندرو هيغسون و.. غيرهم، إضافة إلى ما يسعى ملتقى النقد لتحقيقه في جولاته المتعددة في المدن السعودية، والاستعداد مؤتمر النقد السينمائي الذي سيقام في نوفمبر المقبل بمدينة الرياض المقبل تحت شعار "الفيلم والفن في عالم متغير"، وهذا في حد ذاته يعيد الاعتبار لحركة النقد في مجتمعاتنا العربية إجمالًا، كما يصنع جسرًا مطلوبًا للتواصل بين المهتمين بالشأن السينمائي، بما يمثله كمحطة تأسيسية لحالة سينمائية مفتوحة على النقاش، وبداية مسار يفترض به أن ينتج مزيدًا من الحرص على تطوير الوعي المعرفي.
أما الأمر الثاني فهو ما حملته الجلسة المذكورة من نقاش نقدي ساخن حول مفهوم السينما الخليجية، وإلى من ينسب الفيلم: المنتج، أم المخرج، أم الموضوع؟ وما هي السمات المشتركة بين الأفلام في السعودية ودول الخليج عامة؟ بل ما هي السمات المشتركة بين أفلام البلد الواحد مثل السعودية مثلًا؟.. الأسئلة كثيرة ومنشغلة بموضوع الهوية والأصالة والتراث والتجديد في ذات الوقت، وربما هذا هو الاتفاق الأبرز بين أفلام دول الخليج العربي غالبًا، بخلاف قضايا تختلف من بلد لآخر وتتراوح بين نقد الواقع الاجتماعي الصلد والسلطة الدينية، أو قصص وحكايات مستلهمة من الأدب، أو ميل ما إلى الكشف عن مساحات اجتماعية مسكوت عنها مثل والفقر ومعاناة المرأة، سواء مباشرة أو من خلال التعبير بالدلالات والإشارات والرموز.
على أية حال فإن هذا النقاش بما فيه من حدة وسجال، يعد وثبة إلى نقطة لازمة تحتاجها السينما في هذه الجغرافيا، والأفلام التي لم تتبلور بعد في اتجاه محدد، على الرغم من الحماس والكثرة والعدو السريع نحو زيادة الإنتاج، حيث تلازم هذه الأفلام واقع الانتقالات الاجتماعية الكبرى في المشهد الثقافي إجمالًا، يسهم في ذلك التطور التكنولوجي الهائل الذي تأثرت به صناعة السينما بشكل عام.. نعم هناك تجارب تخطو بثبات نحو الاحتراف، وهناك مشاريع تفتح المجال أمام مخرجين شباب لتقديم أفلامهم وتحقيق شغفهم، لكن لاتزال هذه التجارب فردية ولايزال الاحتياج إلى اهتمام جدّي أكبر نحو السينما في المجتمعات الخليجية.
لا يعني هذا أن أحوال الواقع السينمائي في دول الخليج العربي غير مبشرة، إنما كلامي نابع من حرص واهتمام بسينما يسعى صانعوها لتأسيسها منذ سنوات، وهي تحتاج إلى عمل ميداني فعال، وتنظيم للعمل الإنتاجي، وكذلك الكتابة والجماليات، التواصل والعمل وتبادل الخبرات والمعرفة والاختصاصات، كما يحدث الآن في مهرجان الأفلام السعودية أو جولات ملتقى النقد، وصحيح أيضًا أن التأسيس دائمًا يكون صعبًا، لكن البدايات الجادة والثابتة، تفتح الأفق لانطلاق الحركة السينمائية بأجيال ودماء جديدة ترتكز على قواعد السابقين، وخيال التجديد المُحفز لتحقيق صناعة سينمائية، في تقديري أنها ستتحقق بالكثير من الدأب وكذلك بالمعطيات المتاحة في الوقت الراهن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة