بيشوى رمزى

"ثنائية" العمل الدبلوماسي المصري.. نجاح عمليات الإجلاء نموذجا

الأحد، 30 أبريل 2023 03:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية في إجلاء رعاياها من السودان، ربما تقدم دليلا دامغا على الاهتمام الكبير بالمواطن باعتباره الأولوية القصوى، التي تدور حولها كافة المؤسسات، سواء كان داخل الوطن أو خارجه، وهو ما يعكس أحد الوجوه المهمة للدبلوماسية، ودورها، والذي لا يقل أهمية بأي حال من الأحوال عن الصورة التي تصدرها المشاهد الإعلامية، والتي تتمحور حول العلاقات مع الدول الأخرى، في انعكاس صريح للتكامل بين الطابع الرسمي للعمل الدبلوماسي، والقائم على الاجتماعات الرسمية واللقاءات مع مسؤولي الدول الأخرى، من جانب، والعمل على الأرض في سبيل خدمة المواطن المغترب، الذي آثر الحياة في أرض غريبة، بحثا عن لقمة العيش، وهو ما سبق وأن أوضحته في مقال سابق.
 
إلا أن ثمة وجها آخر للتكامل، في عمل الدبلوماسية المصرية، يتجسد في ثنائية العلاقة بين الدولة المصرية، وغيرها من شخوص المجتمع الدولي، سواء في صورة دول أو منظمات، من جانب، وعلاقتها بالشعوب الأخرى من جانب أخر، في إطار يحمل قدرا كبيرا من الانسجام غير المسبوق بين الدبلوماسية في صورتها التقليدية، وما يمكننا تسميته بـ"الشعبوية" في العمل الدبلوماسي، من خلال مد نطاق الخدمة التي تقدمها المؤسسة الرسمية، لتشمل المواطنين، وأبناء الدول الأخرى، خاصة في وقت الأزمات، وهو ما يمثل أحد أهم المزايا التي تمخضت عنها الحالات الأخيرة، وفي القلب منها الحالة السودانية، في ظل ما آلت إليه الأوضاع من نزاع، دفع ألاف البشر، ومن بينهم السودانيين أنفسهم، إلى السعي نحو الخروج من مناطق الصراع، إلى أخرى أكثر أمانا.
 
ولعل الملفت للانتباه، في هذا الإطار، أن الوجهان الرسمي والشعبوي للدبلوماسية المصرية يكمل بعضهما الأخر، وهو ما يبدو على سبيل المثال في الأزمة السودانية، حيث عوامل نجاح الدور الذي قامت به الدولة المصرية، يتجسد في العديد من العوامل، ربما يبقى البعد الجغرافي أحدها، في ظل الجوار بين مصر والسودان، ولكن تبقى عوامل أخرى، أبرزها الثقة الدولية الكبيرة التي تحظى بها المؤسسات المصرية من قبل مختلف دول العالم، وقدرتها على إجلاء مواطنيهم، ناهيك عن حجم التأثير الذي تحظى به، بفضل عوامل التاريخ والجغرافيا، ناهيك عن اعتمادها مبدأ عدم التدخل، في شؤون الدول الأخرى، والذي يمثل أساسا لأى حوار مع طرفي الأزمة لإنهاء عمليات الإجلاء مع ضمان سلامة البشر.
 
بينما يبرز الوجه الآخر لحالة التكامل في العديد من المواقف السابقة، اعتمدت فيه الدولة النهج الإنساني، في التعامل مع الأزمات، عبر التعامل مع الشعوب، ربما أقربها إلى الذهن حالة التضامن، والمساعدات الكبيرة التي قدمتها إلى كلا من سوريا وتركيا، في أعقاب كارثة الزلزال الأخير، ليكون هذا الدور الهام دافعا لتجاوز خلافات سياسية، على المستوى الرسمي، بل وساهمت في تحريك المياه الراكدة في العلاقات، لتشهد تحولا مهما يصب في نهاية المطاف في صالح الشعوب.
 
الاهتمام بالجانب الشعبوي، في العلاقات الدبلوماسية، ربما ليس جديدا تماما، بل ولا يرتبط فقط بحالات الصراع أو الأزمات، وإنما كان وسيلة مهمة لتعزيز التعاون مع الدول الأخرى، وهو ما يبدو في مبادرة "العودة للجذور"، التي تبنتها الدولة المصرية مع كلا من اليونان وقبرص، والتي سعت إلى خلق حالة من الارتباط بين مواطني هذه الدول، الذين عاش قطاع كبير من أجدادهم، على أرض مصر لسنوات طويلة، عبر تنظيم رحلات لهم، لمشاهدة تلك المناطق التي عاشوا فيها، وهو ما يخلق حالة من العاطفة، بين الشعوب وتلك الأرض، وأهلها، مما يساهم في إضفاء قوة دفع للعلاقات على المستوى الرسمي، وبالتالي تحقيق المصالح المشتركة.
 
وهنا يمكننا القول بأن الدبلوماسية المصرية تعمل على العديد من المسارات المتكاملة، منها ما هو رسمي، في الإطار الطبيعي للعمل الدبلوماسي، يهدف إلى تعزيز العلاقة بين الدول، بينما هناك أوجه أخرى، أبرزها إنساني شعبوي، من شأنه خلق علاقة قوية بين الدولة والشعوب والأخرى، مما يساهم في إضفاء قدر من الحيوية على العلاقات الدولية، ناهيك عما يترتب على ذلك من زيادة كبير في حجم التأثير على المستوى الدولي والإقليمي، في ظل مرحلة تبدو حساسة للغاية، سوف تؤدي لا محالة إلى حقبة جديدة في النظام العالمي، لن تسيطر عليها قوى دولية واحدة مهما بلغت إمكاناتها.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة