"بلدنا دى مش مجرد بلد زى أى بلد دى متحف كبير مفتوح" تلك الجملة التى أجراها أسامة أنور عكاشة على لسان الأستاذ رجائى فى مسلسل أرابيسك والتى لم تكن مجرد جملة حوارية بل كانت دلالة على رؤية وتوجه لدى مؤلف جاوز فكرة الحكاية الدرامية إلى القضية.
فى شهر رمضان من كل عام يلح على خاطرى تذكر الأب الروحى للدراما المصرية الحديثة أسامة أنور عكاشة الذى كان له الدور الأكبر فى تشكيل خريطة الدراما المصرية المعبرة عن روح هذا الوطن، فقد كان مهموما بالقضايا الأساسية التى تشكل وجداننا، فمنذ المشربية فى نهاية السبعينيات، إلى الراية البيضاء وليالى الحلمية والنوة وزيزينيا وغيرها من الأعمال الدرامية التى عاشت لفترات طويلة بسبب إيمانه بأن إدخال المتلقى فى دائرة التفاعل والتفكير النقدى هو العامل الأهم فى نجاح العمل الدرامى.
لكن واحدة من هذه الأعمال قد طرحت معضلة ربما عاشها عكاشة وأراد أن يطرحها على مشاهديه، إنها معضلة أرابيسك، ذلك السؤال الذي طرحه عام 1994 في مسلسل أرابيسك، وظل رهين البحث ربما حتى الآن دونما إجابة نهائية شافية، حين أراد حسن أرابيسك أن يعيد تشكيل فيلا د برهام لتكون معبرة عن الحضارة المصرية، فتساءل هل يجب أن تكون مزجا بين المصري القديم واليوناني والروماني والعربي، أم أن هناك ما يمكن جعله هو الشكل الأساسي الوحيد المعبر عن هذه الروح، وربما كانت الإجابة المطروحة أنه يجب أن يعيد تشكيل الأسس التي قام عليها البناء أصلا.
لم يكن حسن أرابيسك مجرد نجار صاحب رؤية فنية، لكنه كان نموذجا للمصري الذي تاهت رؤيته لفترة وحينما وجد نفسه أمام السؤال المعضل الذي يمس حقيقته استفاق وأصبحت الإجابة هي شغله الشاغل، ليصير عمله كذلك دالا على المشروع الذي يرى أسامة أنور عكاشة أنه الأساس الذي يجب على المصريين أن ينقبوا عنه ليصبح واضحا أمامهم ويكون هو الدليل الأهم لطريقهم القادم.
هي نفسها مشكلة الهوية التي طرحها المؤلف نفسه في معظم أعماله لكن مسلسل أرابيسك ظل هو الأكثر وضوحا في تلك المسيرة المتسائلة، التي تضعنا أمام مسئوليتنا، أمام الخطر الذي يمكن أن يدهمنا إذا فرطنا في هذه الهوية، أو إذا جعلناها العنصر الأضعف في علاقتنا بالعالم وبتاريخنا.
لم ينظر عكاشة إلى كل ذلك بوصفه تاريخا قد انتهى بل باعتباره جزءا مهما من حاضرنا وأساسا لمستقبلنا، وهو ما جعل من مشروعه الدرامي جزءا مهما من الوعي الوطني المصري، وربما يمثل نموذجا مهما يجب الاحتذاء به خاصة فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة، ولذلك فهي إذن دعوة لصناع الدراما لدراسة ما فعله أسامة أنور عكاشة دراسة مستفيضة قبل البدء في صناعة دراما جديدة فربما يكون ذلك حل يتم عن طريقه رفع مستوى الأعمال التي أصبح تعاني في معظمها من البعد عن الهموم الحقيقية لهذا الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة