لم أتخيل مطلقًا أن يهل علينا جيل من الأجيال في مصر أم الدنيا ولا يعرف من هم: عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وفريد الأطرش ونجيب الريحاني وإسماعيل ياسين وأحمد رمزي ورشدي أباظة، ومن هي أم كلثوم ونجاة وفايزة أحمد وشادية وسعاد حسني وفاتن حمامة، ونادية لطفي، فقد حدث ذلك بالفعل وتلقيت الصدمة بعد نقاش مع طلبة السنة الرابعة بقسم الصحافة لإحدى كليات الإعلام الذين طلبت منهم أن يكتبوا عن نجوم زمن الفن الجميل فلم يعرف الكثير من الطلبة هؤلاء العظماء والرموز الفنية إلا طالبة قالت لي أنها تعرف أم كلثوم لأن والدتها تسمعها وعندما سألتها قالت لها: دي أعظم مطربة ممكن تسمعيها وبدأت الفتاة تسمعها فعرفت من هي أم كلثوم.
هذه كارثة تدل علي أن الجيل الحالي والمقبل لا يوجد بينه وبين الجيل السابق والأسبق أي تواصل، وأن هناك فجوة كبيرة يجب أن يلتفت لها الأسر والإعلام ببرامجه والصحف والمواقع بما تكتبه، فأنا شخصيًا عرفت هؤلاء المطربين والمطربات والممثلين والممثلات الأحياء منهم والأموات عن طريق الإذاعة والتليفزيون المصري وأسرتي وبالتحديد والدتي التي كانت تسمعني أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وأشاهد معها أفلام إسماعيل ياسين وسعاد حسني ورشدي أباظة، وأتذكر أنها أدخلتني السينما لأول مرة كي أشاهد هذا العالم الساحر عبر شاشة كبيرة في الظلام، وأتذكر هذا الفيلم الذي أحببته وأصبح لديّ ذكري معه بأنه أول فيلم أشاهده في السينما وهو فيلم "علي باب الوزير" للفنان عادل إمام، وعرفت وقتها من هو عادل إمام ومن هي يسرا ومن توفيق الدقن وسعيد صالح وكل نجوم العمل.
أيضًا كان التليفزيون المصري النافذة الوحيدة لمشاهدة الفن ونجومه، لكنه تراجع وهجره المشاهدين إلا القليل، وأصبح حاليًا لدينا "الهاتف المحمول" ونوافذه المتعددة من فيس بوك وإنسجرام وتيك توك والمنصات المختلفة، ولكنها لا تبث غير التفاهة والسطحية، وهنا الخطر فلا يوجد سيطرة أسرية علي ما يقدمه هذا العالم الجديد، وأنا شخصيًا أعاني مع ابنتي "جاسمين" فيما تشاهده عبر الهاتف واتخذت قرارًا بالمشاهدة الجماعية معها فلا أتركها تشاهد ما يحلو لها وما يرشحه لها السوشيال ميديا أو المنصات.
دور الأسرة مهم جدًا في التواصل واقتراح المشاهدات دون فرض إجباري ولكن بإشارة وعرض جيد، وأيضًا دور المدرسة مهم في التعريف بالشخصيات المؤثرة من العلماء والفنانين والمؤثرين بشكل عام ويأتي دور الإعلام في التوعية بالفن الجيد والثقافة المثمرة، والتعريف بالشخصيات العظيمة من خلال برامج ومسلسلات وأفلام، حتي لا يكون لدينا جيل لا يعرف عظماء الفن ورموزه، وصناع الثقافة والعلم، ورجال الدين المؤثرين.
مدرك جيدًا أن لكل جيل فنانيه ومبدعيه، ولكن التواصل مهم فأمة بلا ذاكرة تخسر الحاضر والمستقبل، وسنعاني مستقبلاً من الثغرة الزمنية، وأقامت تنمية بشرية قوامها الإبقاء على ذاكرة الأمة متماسكة ومتجددة، وإذا لم ندرك ذلك سنصبح في مهب الريح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة