تُعد الرمال أحد أهم عناصر البيئة، وهى ثروة وطنية كبرى لم تحظ بالاهتمام الاستثمارى الكافى خلال السنوات الماضية على الرغم من عوائدها الاستثمارية الضخمة حيث تُقدر القيمة السوقية لسوق الرمال عالميًا بحوالى أكثر من 70 مليار دولار على الأقل، وهذا فى تزايد مستمر مع التقدم الحاصل فى الصناعات المعتمدة على الرمال بأنواعها المختلفة.
وكشفت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات أنه تُشكل الرمال سلعة تباع وتشترى؛ وذلك لأن لها استخدامات عديدة تعتمد عليها العديد من الصناعات الاستراتيجية، ناهيك عن أنها تدخل فى كثير من المنتجات الصناعية الحديثة ذات الأهمية الاقتصادية. وبالأخص استثمارات الحصول على مادة السيليكا (رمال الكوارتز) والتى تُعد أحد من أهم العناصر التى لم تحظ بالاهتمام المناسب، مع أن الرمال توجد بوفرة منقطعة النظير فى الأراضى المصرية.
وتتجه الدولة المصرية حاليًا للاستفادة من أصغر حبة رمال على أرضها، والتى تزخر بخيرات الطبيعة، فبعد افتتاح أول مجمع للرمال السوداء خلال نهاية العام الماضى، اتجهت الأنظار نحو بحث كيفية استغلال الرمال البيضاء؛ وذلك بهدف تعظيم القيمة المضافة من مواردها الطبيعية والتى من المستهدف جذب استثمارات أكثر من حوالى 2 مليار دولار فيها.
الرمال البيضاء وأماكن وجودها فى مصر
وتابعت الدراسة أن الرمال البيضاء هى المادة الخام لعنصر السليكون والذى يُشكل عصب التطور التكنولوجى العالمى، وهو الخام الرئيس فى صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية والتى هى قلب الطفرة التكنولوجية الهائلة التى انتقلت بالعالم إلى القرن الحادي والعشرين. وهى عبارة عن صخور رملية بيضاء نقية، تحتوى على نسبة عالية من عنصر السليكا SiO2 بنسبة تزيد عن أكثر من 99% وتتكون من حبيبات معدن الكوارتز بشكل رئيس، ويطلق مصطلح الرمال الزجاجية على رمال السليكا أو الكوارتز التى تتمتع بمواصفات فيزيائية وكيميائية تلائم صناعة الزجاج، فعلى سبيل المثال حجم حبيباتها يتراوح عادة ما بين 100 و500 ميكرون، أما نسبة أكاسيد الحديد (Fe2O3) فتقل عن حوالى 0.05%.
ولذلك نجد أن الرمال البيضاء المصرية تتمتع بجودة كبيرة على مستوى العالم بسبب نقائها الكبير؛ إذ تصل نسبة تركيز خام السيليكا فيها إلى نحو 98.8%، وتقل نسبة أكسيد الحديد غير المرغوب فيه عن حوالى 0.01%، وهذا ما يضع مصر على قمة دول العالم من حيث الجودة(أعلى من وادى السيليكون فى الولايات المتحدة الأمريكية والذى يُشكل حوالى 56% من حيث الجودة).
ويبلغ سمك الطبقة الرملية بالرمال المصرية حوالى 100 متر بدون غطاء صخرى وهو ما يساعد على خفض تكلفة الإنتاج وبالتالى سهولة استخراجها، وتتوفر كميات هائلة منها فى وادى قنا بسمك كبير، بالإضافة إلى: جبال يلق والمنشرح بشمال سيناء، ومنطقة أبو زنيمة، وهضبة الجنة بجنوب سيناء والتى تتوفر بها كميات ضخمة من الخام ذى الجودة العالية. ومن هنا يجب الإشارة إلى أن سعر طن رمال السيليكا يعتمد على مكان تعدينها وجودتها، بالإضافة إلى حجم الطلب العالمى على المنتج، وبالتالى نجد أن مصر مسؤولة عن نحو 35% من رمال السيليكا فى العالم.
وبشكل عام، توجد أهم المناطق التى تتوفر بها تلك الرمال فى مصر فى وادى الدخل جنوب غرب الزعفرانة بالصحراء الشرقية، حيث يبلغ احتياطى مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن (من أعلى 5 دول على مستوى العالم من حيث الاحتياطي)، موزعة على صحاري مصر المتنوعة من شمال سيناء إلى جنوبها، وصحراء مصر الشرقية والغربية.
الجهود المصرية للحفاظ على تلك الثروة الهائلة
وعلى الرغم مما سبق من نقاط عديدة وأهمية كبيرة لتلك الثروة الضخمة من الرمال البيضاء بالإضافة إلى وجود الرمال البيضاء بمصر منذ آلاف العصور، فإنه لم يلتفت إلى أهميتها قبل عام 2014، حيث كانت مصر تقوم بتصدير قبل هذا التاريخ تلك الرمال بهيئتها الخام بسعر حوالى 20 دولارًا فقط، ثم يعاد بيعها بحوالى أكثر من 150 دولارًا، ويصنع منها زجاج يصل سعر الطن إلى نحو 1000دولار، ويصل سعر الرقائق الإلكترونية إلى نحو 100 ألف دولار بما يعادل أكثر من 5 آلاف ضعف المادة الخام التى تخرج من مصر، وبالتالى ضياع ربح كبير على الدولة كان سيتحقق من الاستغلال الأمثل لتلك الرمال، لو تحركت الدولة للعمل على هذا الملف قبل عام 2014.
تمثل أبرز المشكلات التى كانت تواجه هذا الملف فى غياب التخطيط السليم لجذب الاستثمارات فى تلك الصناعة، بالإضافة إلى عدم توافر الطاقة والبنية التحتية اللازمة، ووجود مشكلة حقيقية فى معالجة الرمال لضعف البحوث والإمكانيات التحليلية، وغياب الإرادة السياسية في استغلال تلك الثروات وتحقيق قيمة مضافة.
ولكن تحركت مصر من خلال العديد من الخطوات، بدأت بوقف تصدير الرمال فى عام 2016، وبحث كيفية استغلالها بوصفها ثروة قومية. بالإضافة إلى إطلاق الرئيس السيسى فى نفس العام مبادرة “مصر تصنع الإلكترونيات”، وكذلك افتتاح مصنع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية بشركة بنها للصناعات الإلكترونية بطاقة إنتاجية حوالى 50 ميجا وات سنويًا (مستهدف الوصول إلى 100 ميجا وات سنويًا)،والذى يُهدف إلى تأمين الإمدادات بمكونات تصنيع ألواح الطاقة الشمسية والتى يمكن من خلالها إنشاء حقول الطاقة الكهربائية باستغلال الطاقة الشمسية، وهو ما يؤدى إلى خلق فرص عمل مع تحقيق تنمية مستدامة وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة