يدور جزء كبير من مسلسل سره الباتع من إخراج خالد يوسف، ومن إنتاج المتحدة للخدمات الإعلامية، عن الحملة الفرنسية التى جاءت إلى مصر فى 1798 وحتى 1801، فكيف كان تاريخها؟
يقول كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قُبيل الوقت الحاضر" لـ عمر الإسكندرى وسليم حسن، مراجعة أ. ج. سفدج "قضت مصر تحت حكم ولاة العثمانيين والأجناد والمماليك نحو ثلاثة قرون عانت فيها من أنواع الظلم وسوء الإدارة ما أضعف تجارتها وجعلها فى معزل عن بقية العالم؛ فأصبحت لا تدرى شيئًا عن قوى الدول الأوروبية وأطماعها أو علاقة بعضها ببعض. وقد كان يقيم بمصر فى ذلك الحين كثير من جالية الفرنسيين والإنجليز، ولكن المصريين لم ينتفعوا بإقامتهم بينهم، بل اكتفَوْا بالنظر إليهم بعين الازدراء والمقت؛ ظنًّا منهم أن دولهم ما زالت على الضعف الذى سمعوه عنهم أيام الحروب الصليبية، وفاتهم أن الزمن قد تغيَّر، وأن أوروبا أصبحت على مبلغ من القوة وسعة العلم وعظم الدراية بالفنون الحربية بحيث لا يمكن مصادمته إلا بمثله.
وكانت دولة فرنسا قد قويت شوكتها بين دول أوروبا، وظهر فيها فى أواخر القرن الثامن عشر — من التاريخ الميلادى — قائد حربى عظيم أخذ يتغلب على ممالك أوروبا، وبات كثير من دولها فى خوف منه؛ ذلك هو البطل الشهير «نابليون بونابرت».
وفى أواخر سنة (١٢١٢ﻫ/١٧٩٨م) جرَّد «نابليون» هذا حملةً على مصر، فامتلكها، ودخلت البلاد من ذلك الحين فى طورٍ يُعتبر ابتداؤه مبدأ تاريخها الحديث. نعم، لم يلبث الفرنسيون بمصر أكثر من ثلاث سنين، ولكن فتحهم لها كان الحلقة الأولى من سلسلة حوادث، لعبت أوروبا أهم أدوارها، وأفضت عاقبتها إلى المركز الاجتماعى والسياسى الذى تشغله مصر الآن.
ولم تكن الحملة الفرنسية على مصر فجائية أو من خواطر اللحظات، بل إن «ليبنتز» أحد وزراء لويس الرابع عشر ألحَّ عليه سنة ١٦٧٢م بوجوب غزو مصر، وبيَّن له أن امتلاكها يجعل فرنسا سيدة العالم، وقد رأى ذلك غيره من وزراء فرنسا بعده، ولكن فرنسا لم تَخْطُ خطوة فى هذه السبيل إلا فى عهد «نابليون».
على أن نابليون نفسه لم يُقْدِم على هذه الحملة إلا بعد تفكير طويل؛ فاستشار فيها العلماء، وقرأ لأجلها الكتب، وبعدئذٍ عرض اقتراحه على هيئة الحكومة الفرنسية مع إيضاح طويل.
أما أهم الأسباب التى حَدَتْ بنابليون إلى الإقدام على هذه الحملة واقتنعت بها الحكومة الفرنسية فهي؛ أولًا: رغبته فى زيادة نفوذ فرنسا فى البحر الأبيض المتوسط، وضم وادى النيل إليها لِمَا فيه من الخيرات الكثيرة التى تُغنى فرنسا عن كثير من المستعمرات البعيدة، ولِمَا له من المكانة التجارية العظمى. وثانيًا: تمهيد الطريق لقهر الإنجليز بطردهم من الهند واستيلاء الفرنسيين عليها؛ لأن مصر هى مفتاح الطريق إلى تلك البلاد. وفى الحقيقة كانت لنابليون أطماع كبيرة فى الشرق بأَسره، وكانت نفسه تتوق إلى أن يأتى فيه بمثل ما أتاه الإسكندر من قبله.١
كل هذه الاعتبارات — إلى ما عسى أن يكون قد نال الفرنسيين المقيمين بمصر من عسف المماليك وظلمهم — جعلت فرنسا تُقْدِم على تجريد تلك الحملة، مع ما فيها من المبادأة بالعدوان لسلطان آل عثمان الذى كان صديقها فى ذلك الحين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة