الطريق المستقيم مرتبط بالقلب، والقلب مرتبط بالإيمان، والإيمان بالله سبحانه وتعالى يأتي بالتسليم والاستعانة، بمعنى أن حياتنا في الدنيا والآخرة مرتبطة بالله نسلم له ونستعين به.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الفاتحة "إياك نعبد وإياك نستعين"، وهي آية دالة ومؤكدة على أن سورة الفاتحة تأتي كلها فى هيئة "دعاء" من الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، هذا الدعاء يبدأ بالحمد لله والاعتراف بقوته وملكه ثم بالحديث عن النفس وعن مكانتها فى هذا الدعاء العظيم.
إن الآية الكريمة بمثابة قوس كبير يضم فى جنباته الدين والدنيا معًا، فتقول: يا رب إياك نعبد، أي أننا لا نعبد سواك، ولا نشرك بك شيئًا، لا بشكل واضح ولا بشكل خفي، مخلصين لك دائمًا، لا يشوب إيماننا شائبة، ولا يعوق إخلاصنا عائق، ثم نستعين على هذه العبادة بك أيضًا، فلا شيء يكتمل دون عونك، ولا طريق يتصل دون فضلك، وفى المعنى دلالة على عجز الإنسان، فهو محتاج إلى من يعينه ويأخذ بيده، وهذه الاستعانة ليست شرطًا أن تكون مقصورة على المعنى الديني فقط (العبادة)، لكنها تتسع لتشمل أمور حياتنا الدنيوية أيضا، فالاستعانة بالله نوع من العبادة.
أما تقديم ضمير المفعول فى تركيب الجملة (إياك نعبد وإياك نستعين) بدلا من القول "نعبدك ونستعينك" فمعناه عظيم، ودلالته كبيرة، فالتقديم دائمًا يشير إلى أهمية المتقدم، وهو هنا دال على قيمة الذات الإلهية فى نفس الإنسان المتعبد والمستعين، فهو يتقدم كل شيء، ولا يتبع شيئا، بل هو من نتبعه لننجو، هو الهدف الذي نضعه أمامنا ونسعى إليه.
كما أن تكرار الضمير (إياك) مفيد أيضا، فهو من ناحية يعنى أن كل جملة مكتملة بذاتها، كما أن التكرار يكشف أيضا عن الأهمية، كما أنه نوع من الذكر الطيب، وحتى لا يحدث لبس، فلو كانت الجملة (إياك نعبد ونستعين) قد يظن البعض أن (إياك) قاصرة على (نعبد) فقط، أما (نستعين) فهي مفتوحة على المجهول.
هكذا القرآن الكريم كل آياته محكمات، لا يأتيها الباطل أبدًا، حتى على مستوى اللغة والبلاغة والجمال والدلالة والمعاني.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة