بيشوى رمزى

دبلوماسية "الحماية".. رؤية مصر فى إدارة علاقاتها الدولية

الأربعاء، 01 مارس 2023 03:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
تحولات كبيرة يشهدها مفهوم "الحماية" تتناسب مع التغييرات الكبيرة في الظروف الدولية المتواترة، سواء المرتبطة بالأزمات الراهنة، ذات الطبيعة المستحدثة، على غرار الوباء، أو الأزمة الأوكرانية، أو التغيرات المناخية، أو الكوارث الطارئة، وآخرها الزلزال المدمر الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا لحياة ملايين البشر، لتبقى الحاجة ملحة، للتحول إلى تقديم غطاء من الحماية لهم، وبالتالي ارتباط القيادة الدولية، بالقوى العالمية والإقليمية القادرة على توسيع هذا الغطاء، ليتجاوز النطاق الجغرافي المحدود، إلى أفاق أوسع، تتجاوز شعوبهم، لتمتد إلى شعوب أخرى، ربما تبتعد عنهم، وهو ما يتجسد في العديد من الأبعاد، سواء الاقتصادية أو المجتمعية، أو الصحية، والتي لم يعد ممكنا الوفاء بها، من قبل الأنظمة المحلية، جراء تفاقمها إلى حدود تتجاوز الإمكانات الفردية، مهما بلغت أو تصاعدت.
 
ولعل ارتباط مفهوم "الحماية" بالقيادة الدولية، يبدو واضحا في إقدام العديد من القوى الدولية النافذة، على خلق الصراعات، في مناطق مختلفة حول العالم، لتجد في النهاية دورا لنفسها، وهو ما يفسر الحديث المتواتر عن العديد من القضايا، على غرار الأقليات والمساواة بين الجنسين، أو إطلاق المصطلحات، ذات الطبيعة الأيديولوجية على غرار الرأسمالية العالمية، أو بعض المبادئ، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تمثل في مجموعها ذريعة طالما استخدمتها القوى الاستعمارية، حتى تتدخل في الدول الأخرى، وتستأثر بالدور القيادي على المستوى العالمي، وهو ما ساهم في تراجع جوهر المفهوم، في ظل ارتباطه خلال حقب عديد بمفاهيم "صماء"، لا ترتبط بحياة الناس والشعوب.
 
إلا أن تواتر الأزمات في السنوات الأخيرة، وامتدادها الزمني والجغرافي، في ظل عدم القدرة على التنبؤ بمداها الزمني، أو قدرتها على اقتحام "حصون" القوى الدولية الكبرى، ربما كان دافعا قويا للتحول نحو تقديم "حماية" أكثر حياة، ليس من شأنها الاستئثار بالقيادة الدولية، وإنما تحقق قدرا كبيرا من الثقة العالمية، وهو النهج الذى آثرته الدولة المصرية، في السنوات الأخيرة، عبر توسيع شراكاتها الاستراتيجية التي من شأنها تحقيق المصالح المتبادلة، مع العديد من دول العالم، لتتجاوز النطاق الجغرافي الضيق، والذي اقتصر لسنوات على منطقة الشرق الأوسط.
 
يعد حديث رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن دور مصر، في حماية أوروبا من أزمة الهجرة غير الشرعية، دليلا دامغا على التحول الكبير في مفهوم المفهوم بصورته الكلية، حيث تحول من مجرد رؤى "هلامية" لمجموعة من الأفكار والمبادئ، إلى دور حقيقي من شأنه تقديم الدعم للدول الأخرى، في مواجهة أزماتها، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن أزمة الهجرة تبقى أحد أهم المؤرقات التي تواجه القارة العجوز في السنوات الماضية، في إطار ما تسفر عنه من أزمات اقتصادية، جراء التكاليف الباهظة التي تتكبدها خزائن الدول المستقبلة للاجئين، أو مجتمعية، على خلفية انتشار البطالة بين المواطنين، نتيجة مزاحمتهم في فرص العمل من قبل الأجانب القادمين من الخارج، أو سياسية بسبب ما بات يترتب عليها من اضطرابات عميقة في البنية الاقتصادية والمجتمعية للدول، ناهيك عن الأوضاع الأمنية.
 
وللحقيقة، يبدو مفهوم "الحماية"، الذى تبنته مصر في صورته الجديدة، غير مقتصرا بأي حال من الأحوال على أزمة بعينها، كتلك التي أبرزها أوربان، وإنما تمتد إلى العديد من القضايا، أبرزها الأوضاع الاقتصادية، عبر مساعدة الدول على استكشاف مواردها، على غرار اليونان وقبرص، أو تعميم تجربتها في محيطها الإقليمي، خاصة على المستوى القارى في إفريقيا، أو الدفاع عن حقوق الدول المستضعفة في التنمية في مختلف المحافل الدولية، على غرار قمة المناخ، وغيره من المناسبات الدولية الأخرى، وهو ما يمثل قدرات دبلوماسية استثنائية تحظى بها الدولة المصرية، في المرحلة الراهنة، تبدو متواكبة مع الظروف العالمية الراهنة.
 
الكيفية التي يمكن تقديم "الحماية" بها، أخرى تحمل هي الأخرى اختلافا مهما، إذا ما قورنت بالماضي، فهي لم تعد قاصرة على تقديم حفنة من الأموال في إطار من الدعم، بينما تعتمد في الأساس على تعزيز مفهوم الشراكة، التي تبدو مناسبة بصورة أكبر للتحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، في إطار التعددية، مع صعود قوى دولية جديدة يمكنها القيام بدور مؤثر على المستوى العالمي، بعيدا عن الهيمنة "الأحادية"، والتي فتحت الباب أمام توجيه الغالبية العظمى من دول العالم نحو الدوران في "فلك واحد".
 
وهنا يمكننا القول بأن دبلوماسية "الحماية"، تبقى أحد أهم أدوات الدولة المصرية في إدارة علاقاتها الخارجية، حيث ساهمت في توسيع نطاق الدور الذي تقوم به، في المرحلة الراهنة، وتجاوزه النطاق الإقليمي المحدود، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لحالة الاستقطاب التي باتت تتمتع بها مصر، في ظل زيارات متواترة لكبار مسؤولي دول العالم، من مشارق الأرض إلى مغاربها، أملا في دور أكبر يمكنه المساهمة في تعزيز قدرة العالم على مواجهة الأزمات في المرحلة الراهنة.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة